بغض النظر عن الإتهامات – المسنودة بأدلة مادية دامغة – التى وجهها الوطني الى الشعبي المعارض بشأن التحريض على الغارة الاسرائيلية وتدمير مصنع اليرموك، فإن الشعبي حتى ولو وضعناه بعيداً جداً عن الإتهامات هذه يبدو موقفه بالغ الغرابة حيال القصف الاسرائيلي الغاشم لمصنع اليرموك فالحزب حتى الآن لم يوجه إدانة صريحة للقصف بإعتباره عملاً عدوانياً ضد ممتلكات الشعب السوداني وسيادة أراضيه، ومع ذلك فإن المسئول السياسي للحزب كمال عمر عبد السلام لم يجد أدنى حرج فى تحميل الحكومة السودانية مسئولية العدوان! وليت تحميل المسئولية وقف عند هذا الحد، ولكن المسئول السياسي مضى شوطاً أبعد ليتحدث عن ما أسماها (علاقات مشبوهة) يتبناها الوطني هى التى عرضت البلاد للقصف الاسرائيلي! وبالطبع لم يشأ كمال الخوض فى طبيعة العلاقات المشبوهة هذه، ولو سأله أيّ صحفي أو مراقب عن ما يقصده بالعلاقات المشبوهة هذه، لوقف (حوار الشيخ) فى العقبة فعلاً. إن مؤدّى ما قاله المسئول السياسي للشعبي ان الذين يقفون فى صفوف المقاومة معادين لإسرائيل هم من (المشبوهين)! ومن ثم فإن الحكومة السودانية عليها ان تبتعد عن كل (مشبوه) يعادي ويقاوم اسرائيل، الأمر الذى يفضي بنا فى خاتمة المطاف -وفق هذا المنطق الغريب- إلي تبنِّي المنطق والرؤية الاسرائيلية تماماً فى تصنيف الأعداء والحلفاء! ترى هل يتحمّل الشعبي مسئولية تصريحات كهذه نقلت أعداء اسرائيل الى خانة المشبوهين وبالتالي أعداء للشعبي نفسه؟ وهل ترى تخلص الشعبي – كحزب سياسي يطرح نفسه فى الساحة السياسية – عن واجباته القومية وراؤه بشأن ما يجري فى المنطقة؟ إن من المفروغ منه أن الغارة الاسرائيلية جرت على أراضي سودانية، ومن المفروغ منه أيضاً أن اسرائيل عدو لكافة شعوب المنطقة ليس فقط لاحتلالها أرض الغير بالقوة واستمرار هذا الاحتلال، ولكن لأنّ عدوانية اسرائيل لا تستثني أحداً، إذ أنه وحتى الذين يمالئونها ويتقون شرها تدخر لهم شراباً من ذات الكأس، فهي دولة معزولة بلا أصدقاء، وهى حتى على مستوي تحالفها مع الولاياتالمتحدة وضمان الأخيرة لأمنها، لا تضع إعتبارً كثيراً لقدسية هذا التحالف، فتارة تتجسس حتى على واشنطن حليفتها، وتارة تحرجها فى تصرفاتها الطائشة. من جانب آخر، فالشعبي – للأسف الشديد – بموقفه المخزي هذا يمنح اسرائيل (براءة) لا تستحقها فهو (يبرر) عدوانها ويحمّل الاسباب لوطنه الأمر الذى يمكن إعتباره فى الأعراف الوطنية بمثابة دعم للعدو وخيانة صريحة للوطن، ولعل أكثر ما يدهش هنا – وما أكثر ما ظل يدهشنا من الشعبي وقادته – أنهم أحلّوا لأنفسهم فى حزبهم التحالف مع الحزب الشيوعي وإمتدّ تحالفهم لما يسمى بالجبهة الثورية بوجود حركة العدل والمساواة الوثيقة الصلة بهم وداخل حظيرة الثورية، وقتلوا ونهبوا وسفكوا دماء بني جلدتهم، ومع ذلك يعتبرون علاقات الوطني ببعض قوى المقاومة (مجرد علاقات مشبوهة)! رجل مثل كمال عمر – ودون أن يغطي ذقنه السياسي – يقف ليقول بملء فيه إن حزبه الشعبي أقرب للشيوعي من الوطني، ثم لا يجد فى نفسه حرجاً فى إتهام الوطني بأنه لديه علاقات بجهات مشبوهة! ليس هنالك أدنى شك ان الشعبي تورط فى تحالفات مع قوى تسوقه سوقاً لذم كل ما يتصل بأعداء إسرائيل والولاياتالمتحدة، فالذي يجلس الى مائدة ما يسمى بقوى الاجماع العامرة بما لذّ وطاب ومن أطياف الفجور السياسي والعداء المركّب، لابُد أن يشكر ويحمد الذين يقفون خلف أطباق المائدة فى المطبخ السياسي المنسود من الخارج! لابد لمن صار كل شغلهم إزالة الحكومة السودانية حتى يتشفّوا ويرووا غليلهم أن يقدموا بين يديّ هذا الغل السياسي قرابيناً من هذا النوع، تقلب أصول الأشياء وقواعدها المعروفة الى أمساخ سياسية مشوهة تقشعر لها الأبدان وتعافها النفوس!