كان الإسلاميون وأقصد بهم جماعات وتيارات الإسلام السياسي وبالذات جماعة "الإخوان" بمصر وبعض الرموز الإخوانية المشهورة في الخليج، يهاجمون الاستعانة بالآخر الأجنبي لإنقاذ وتخليص شعب عربي مضطهد من قبل نظامه القمعي الاستبدادي، كانوا ضد التدخل الدولي لتحرير الشعوب من أنظمة استبدادية تسومهم العذاب وتنكل بهم وتقتلهم وتدفنهم في مقابر جماعية وتصب عليهم الكيماوي من فوقهم، سواء أكان هذا التدخل تحت مظلة الأممالمتحدة أو بدونها. كانت الفتاوى الصادرة من مشايخ وخطباء "الإخوان" تحرّم الاستعانة بالأجنبي حتى لو تعيّن كوسيلة ضرورية لتحرير بلد عربي من محتله العربي الغاشم، ولذلك وقف معظم "الإخوان" في مصر والأردن والسودان واليمن والجزائر وتونس وفلسطين موقفاً مخزياً من تحرير الكويت، فأصدروا فتاوى تحرّم الاستعانة بالتحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال الصدّامي، وكان لهم نشاط سياسي وإعلامي بارز في تجييش الشارع العربي وانقسامه إلى مؤيد ومعارض. وإذا استثنينا الموقف الشرعي الصحيح والمشرّف الذي وقفه علماء السعودية والخليج والأزهر الشريف الذين أدانوا الباطل قولة واحدة ورأوا في حرب تحرير الكويت جهاداً واجباً، وأيّدوا من غير تردد وبأداة شرعية صريحة وصحيحة جواز الاستعانة بقوات التحالف الدولي لطرد المحتل البربري من أرض الكويت العزيزة، فإن بعض الرموز الإخوانية في العراق والأردن وفلسطين والجزائر وتونس وقفت موقفاً مؤيداً للعدوان وبلغت الحماقة ببعض مشايخهم أن عدّوا العدوان الصدامي جهاداً مشروعاً في سبيل توحيد الأمة وتحرير فلسطين! واتهموا المشاركين في التحرير بموالاة الأعداء، وأما عامة "الإخوان" وبخاصة القيادة الأم فهم إذ أدانوا الغزو الصدامي صراحة، إلا أنهم وتبعاً لأساليبهم القائمة على المراوغة وعلى سياسة مسك العصا من الوسط قالوا: إذا كان الغزو "خطأ" فإن الاستعانة بالتحالف الدولي "خطيئة" واستندوا إلى ما سموه "فقه الموازنات" كما ذكر فهمي هويدي، وبئس ما فعلوا، كما طالبوا بحل بديل سموه "الحل العربي الإسلامي"، وهو حل مزعوم ومستحيل من شأنه إبقاء الاحتلال الصدّامي وإجهاض كافة الجهود العربية والدولية لتحرير الكويت. اقترحوا حلهم المزعوم وهم أدرى بأن العرب أعجز من أن يتفقوا على حل خلاف حدودي بسيط بين جارتين عربيتين فما بالك بكارثة قسمت العرب إلى نصفين، ولو انتظر الشرفاء حلهم المزعوم ما تحررت الكويت لكن الله تعالى لطيف بعباده، فتحررت الكويت وتخلص الخليج من جار السوء الذي خرج يجر أذيال الخيبة ليصب نقمته وعدوانيته على الشعب العراقي قتلاً وتعذيباً، والشعب يستغيث ويستصرخ العرب أن يهبوا لإنقاذه وتخليصه، ذاق العراقيون ثلاثة عقود من الحكم الصدّامي وعرفوا كل صنوف العذاب، وقاسوا بما لم يُسمع به من قبل -وهو ما يحصل اليوم في سوريا وأبشع- فزُجَّ بهم في حربين أبادتا الأخضر واليابس، قُتل فيهما الملايين، ودُفن من العراقيين والإيرانيين والكويتيين الآلاف فيما سمي "المقابر الجماعية" وكانت المعارضة العراقية -شأنها شأن المعارضة السورية اليوم- تجوب آفاق الأرض العربية تتوسل وتستصرخ ضمائر العرب دون أن تجد أذناً صاغية، حتى إذا شاءت إرادة المولى عز وجل الإذن بزوال هذا النظام الطاغي، سلّط عليه من يدكّ بنيانه ويزيل نظامه من صياصيه، وتلك عاقبة المجرمين كما يعلمنا القرآن الكريم، جاء من يخلّص العراقيين من محنتهم الطويلة بعد أن تقاعسنا ولم نتحمل مسؤولياتنا تجاه الشعب العراقي كما طالبنا القرآن الكريم: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوِلدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالمِ أهلها واجعل لنا من لّدُنك ولياً واجعل لنا من لّدُنك نصيراً". تخلّى النصير العربي عن نجدة أخيه المضطهد فسخّر الله تعالى من عباده من يقوم بنجدتهم وتخليصهم، لم يأخذ العرب على يد أخيهم الظالم طبقاً للحديث النبوي: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً... قالوا: كيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذوا على يده"، فجاء من يأخذ على يديه، وبدلاً من أن يساعد "الإخوان" وتيار الإسلام السياسي عامةً ويساهموا في تخليص العراقيين من محنتهم أو على الأقل يلتزموا بالحياد، هبّوا جميعاً وبالذات رموزهم ومشايخهم يستنكرون عبر المنابر والفتاوى والفضائيات وبكل ضراوة، التدخل الأميركي لإسقاط نظام صدام وتحرير العراقيين من قبضته، بل واتهموا المؤيدين للتدخل بأنهم عملاء ومن "كتائب المارينز" ونالني نصيب من الاتهام كوني مؤيداً للتدخل، وأصدروا فتاوى محرّضة للشباب الغرّ بالذهاب إلى العراق لمقاتلة الأميركيين والمدنيين المتعاونين معهم، باعتباره جهاداً واجباً لا يحتاج إلى إذن الحاكم، وذهب آلاف الشباب ضحايا الفتاوى وبقي مشايخ "الإخوان" ينعمون ويجمعون متاع الدنيا. اليوم تغيرت الأحوال وتبدّلت المواقف وهذا ما يُسمى بمكر التاريخ، فجاء "الربيع العربي" بتحولاته وجعل مشايخ الأمس الذين كانوا ضد الاستعانة بالأجنبي لدرجة التخوين، يطلبون اليوم معونته لحماية الشعب المضطهد من تسلط أبناء جلدته، أصبحوا يتوددون إلى الأجنبي ويطلبون تدخله وقد حمدوا المولى عز وجل أن سخّر "الناتو" فأنقذ ثوار ليبيا من هلاك محقق، وها هم اليوم يتوسلون التدخل الدولي لحماية الشعب السوري من آلة القتل الرهيبة التي حصدت 40 ألف قتيل وشردت الملايين الذين يعيشون أسوأ الظروف. وللمرء أن يعجب من مسلك الإسلاميين؛ كانوا بالأمس ينادون بالحل العربي بديلاً عن الأجنبي، وها أنتم اليوم سادة الميدان وحكام البلدان وتتصدرون المشهد العربي، فيم تقاعسكم عن نجدة الشعب السوري؟ ما الذي يمنعكم من تقديم دعمكم الكامل؟ لماذا لا تساندون دعوة أمير قطر بتشكيل قوة ردع عربية تحمي المدنيين؟ الخليج وحده اليوم يقف موقفاً مشرفاً بدعمه الكامل للسوريين. وعموماً: فإن تطور موقف الإسلاميين لصالح التدخل الدولي والاستعانة بالأجنبي أمر إيجابي، لكن أليس الأولى أن يأخذوا بأنفسهم على يد أخيهم الظالم ولا يكونوا كمن قالوا لأخيهم البشير: تباً للضحايا... المهم الكرامة العربية. وطبقاً لديانا مقلد، فإن إشكالية الغرب مع العرب والإسلاميين عامة، أنهم إذا تدخلوا فهم طامعون وإذا لم يفعلوا فهم لا أخلاقيون. المصدر: الاتحاد الاماراتية 7/11/2012م