ليس هنا من أدنى شك أن إنعقاد اللجنة السياسية الامنية السودانية الجنوبية فى العاصمة الجنوبية جوبا - الأسبوع الماضي - جاء فى حد ذاته كعنصر دافع للتسوية السياسية السودانية الجنوبية المعروفة بإتفاقية التعاون المشترك، والتى أنجزها الطرفان فى السابع والعشرين من سبتمبر الماضي بأديس أبابا. وتكمن أهمية إنعقاد اللجنة السياسية الأمنية فى أنها هى اللجنة الموكل لها تنفيذ إتفاقية التعاون المشترك من ناحية الترتيبات الأمنية، وفك الارتباط بين الجيش الشعبي الجنوبي وقطاع الشمال، ونزع السلاح، وإقامة المنطقة العازلة على حدود البلدين. وهى أمور مهمة ولازمة دون شك لإحلال الاستقرار والهدوء على حدود البلدين بما يتيح علاقات متوازنة تكفل إنسياب كافة أشكال التعاون المشترك بينهما. ولعل من المهم جداً أن نلاحظ هنا أن إنعقاد الاجتماعات جاء فى توقيت ملائم للغاية كونه يمهد لعملية ضخ النفط المقرر له ديسمبر المقبل وهى الخطوة الاقتصادية الشديدة الأهمية التى ينتظر الجانبان أن تدفع بإقتصاد كلٍ منهما بوضع أفضل، كما أن الاجتماعات فى ذات الوقت تأتي فى ظل عدوان يتعرض له السودان من قبل اسرائيل التى لا يروق لها إنسياب التعاون بين الدولتين بهذه الكيفية لأنها تنزع عنها اسباب اللعب على تناقضات الجانبين. وتأتي الخطوة أيضاً فى ظل تجديد الولاياتالمتحدة على نحو روتينيّ خالٍ من أيّ نظر موضوعي للعقوبات وحالة الطوارئ المفروضة ضد السودان لأسباب تعتقد واشنطن أنها تهدد أمن الولاياتالمتحدة القومي. وليس هناك أدنى شك أن قطاع الشمال بالحركة الشعبية وبعض قادة ما يسمى بالجبهة الثورية هم ايضاً كانوا يتوقون الى تعثُّر عملية تنفيذ إتفاق التعاون المشترك، خاصة فى الجانب المتعلق بالترتيبات الامنية هذه والتى ستؤثر تأثيراً جوهرياً على وجود القطاع والجبهة الثورية بعد فك الارتباط –عملياً– بينها وبين جوبا. ولهذا فإن مجرد إنعقاد هذه اللجنة فى أجواء إيجابية وبنشاط وهِمة عالية وبروح الفريق يمثل تقدماً مطلوباً لجهة تطبيع العلاقات السودانية الجنوبية. وقد ناقشت الاجتماعات بقدرٍ عال من الصراحة كافة البنود المراد إنفاذها على الأرض مثل إقامة المنطقة العازلة وترسيم حدود تلك المنطقة –عملياً– وليس مجرد حديث نظري؛ كما ناقشت وشرعت فى وضع القواعد التى على أساسها تجري عملية فك الارتباط والتسريح وإعادة الدمج ونشر قوات المراقبة الحدودية وإعادة إنتشار قوات الجانبين، خاصة المنطقة العازلة. وكان اللافت أن النقاش توصل الى آليات عملية قادرة على العمل بسلاسة ولها مرجعية مشتركة بوسعها حل خلافاتها بطرق ووسائل هادئة بعيداً عن المواجهات، أو تعطيل عمل اللجنة، أو العودة مجدداً الى أديس. وتشير متابعاتنا فى (سودان سفاري) من جوبا ان الرئيسَين كير والبشير يتابعان من على البُعد الاجراءات التى تقوم بها اللجنة وتجري عملية تذليل متزامنة لأيّ إشكالات قد تنشب وهو ما يعزز فرضية إمكانية إغلاق هذا الملف فى غضون أسابيع قلائل وليس أشهراً أو سنوات . ويرى مراقبون إستطلعتهم (سفاري) من قلب الاجتماعات فى جوبا، ان الروح التوافقية السائدة فتحت الطريق لتجاوز العديد من القضايا التى كانت فى السابق تقف حجر عثرة على طريق حل النزاع السوداني الجنوبي فى جوانبه الأمنية الشائكة. و من المنتظر فى هذا الصدد ان يحتفل الجانبان فى مطلع العام المقبل خاصة فى أعياد استقلال السودان وذكري التوقيع على إتفاقية نيفاشا 2005 فى التاسع من يناير إكتمال نشر قوات مراقبة على حدود البلدين لما يجاوز ال2000 كيلومتر، وهذه الخطوة ستجعل من إمكانية التعايش بين البلدين أمراً ممكناً يتيح لكليهما معالجة كافة قضاياه والنظر الى آفاق المستقبل.