منذ أوائل أكتوبر 2012 حتى حضور السيدة "دلاميني زوما" للقاهرة أوائل نوفمبر 2012 تبدو مفوضية الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا في حالة احتفال برئيسة المفوضية الجديدة القادمة من أقوى دولة في القارة، بل إن مجمل الاحتفالات الخاصة بمرور عشر سنوات على إعلان قيام الاتحاد في ديربان (يوليو 2002)، بدت وكأنها تتويج لدور جنوب أفريقيا في القارة، وليست ذات صلة بأي حال ببؤس سقوط الرئيس "المؤسس" معمر القذافي! وكان هذا تخلصاً جيداً من أثر استحضار ذكر مهرجانات التأسيس، بل ومصاعب المسيرة الأفريقية نفسها طوال العقد الأول لقيام الاتحاد. لقد جاءت السيدة "دلاميني زوما" لرئاسة المفوضية في قمة 2012 للاتحاد الأفريقي إثر معركة "تهشيم العظام" بين مجموعة الجنوب الأفريقي، والمجموعة الفرانكفونية بشكل صارخ استدعيت فيها "قوات دولية" غير مرئية، لكنها على الأقل أكثر فاعلية مما أُعد لحل مشاكل الصومال أو دار فور أو مالي! وجاءت السيدة التي سبق لها أن قاومت وحشية "الإيدز" فى جنوب أفريقيا كوزيرة للصحة، و"العنف" كوزيرة للداخلية ومعارك دولية عديدة كوزيرة للخارجية ، لتواجه انهيارات الأمن والسلام في أنحاء القارة، مشرقاً ومغرباً، من دون الإمكانيات التي توافرت لها فى بلادها من قبل، وهذا ما عكسته خطاباتها وخاصة في القاهرة مستغيثة بمنطق "التعاون الدولي" ومع مجلس الأمن بالأساس، دون إشارات عن أدوار تعاون بلدان الأقاليم المجاورة، أو اعتبار (وهي في القاهرة) للتعاون مع الدول العربية، صاحبة الشأن في أكثر من موقع للقلق في أفريقيا! ولا أعرف ما الذي تحويه بالضبط جعبة رئيسة المفوضية الأفريقية، وهي تؤكد على دور التعاون مع مجلس الأمن الدولي في حل عدد من مشكلات القارة. وأتصور أن من حقها أن تأخذ فترة للدراسات، وإنْ كانت ذات الخبرة المعمقة كوزيرة سابقة في جنوب أفريقيا. لكن السيدة "زوما" لابد أنها قرأت تلك "الرسالة المهمة للسفيرة "سوزان رايس" المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأميركية التي وجهتها لأفريقيا خلال ملاحظاتها في افتتاح جلسة لمناقشة تعاون الأممالمتحدة مع الاتحاد الأفريقي في أولى الاحتفالات بمرور عقد على إقامة الاتحاد ( في الأول من ديسمبر 2012)، وكانت الرسالة المبكرة متضمنة فى تحية السفيرة الأميركية أساساً "لمادة التدخل" في دستور الاتحاد (الرابعة) لانقاذ حالات الإبادة الجماعية... الخ وتبعتها بإعلان "أولوية النظام الدولي ومنظماته" على أي تنظيم آخر لأنه "لا يجوز- في تقديرها- أن تقرر المنظمات الإقليمية (ما تشاء) ثم تطلب من الأممالمتحدة أن "تبارك وتدفع"! وخلال ذلك وجهات العتاب لضعف تعاون الاتحاد الأفريقي مع مجلس الأمن (وأظنها تشير إلى فترة الأزمة الليبية!). من هنا يصبح الاتحاد الأفريقي (بل وكما نرى فى الجامعة العربية) في حالة "تفهم مبكر" للمبادئ الدولية التي تصيغها "العولمة الأميركية"، وعن طريق هيئات "التنظيم الدولي" مثل سابق إقرار مبدأ "السيادة المحدودة" "والتدخل الإنساني"... الخ منذ التسعينيات وأتصور أن السيدة "زوما" لابد أن درست هذه الرسائل منذ وصولها في منتصف أكتوبر الماضي إلى أديس أبابا، لأن الأحداث تسارعت مع وصولها هذا في مالي والصومال بشكل خاص، بما استدعى "الدفع الدولي" المباشر لقوات "الإيكواس" في غرب أفريقيا، وقوات "شرق أفريقيا" في القرن الأفريقي. لكن الوزيرة السابقة أصبحت مطالبة أيضاً بتفهم مشكلة مستقرة فى الاتحاد الأفريقي، سبقتها بعقود، حول تمويل "أنشطة الاتحاد"، وأعني هنا "الأنشطة" وليس "الإدارة" لأن ما قرأته مؤخراً عن هذه المعضلة يشير إلى أن اشتراكات الدول الأعضاء تسهم بالكاد فى تمويل "إدارة الاتحاد"، التي تبدو لنا متواضعة، أما ما يعرف بالأنشطة أو "البرامج" فتمولها بنسبة أكبر مساهمات "المانحين الأجانب"! والحقائق الواردة فى هذا المجال، إذا أُتيح عرض بعض تفاصيلها- مثيرة للألم، ولا أعرف سبباً قوياً يجعلني أتصورانعدام دور "المجموعة العربية-في المساعدة وهي" التي تدخل فى علاقة عضوية مع الاتحاد باسم "التعاون العربي الأفريقي"، وهي علاقة خاصة بالفعل لم تقم بين الاتحاد الأفريقي والأوروبي إلا على أساس ضيق وقريباً وليست منذ عام 1977! وفى دراسة حديثة لمركز ملحق بالاتحاد الأفريقي (CPP) لشؤون المواطنة والمشاركة جاءت الحقائق المثيرة عن ميزانية الاتحاد ودور المانحين الذين يسهمون ب 56 في المئة من ميزانية الاتحاد التي تبلغ 277 مليون دولار. ومعنى ذلك أنهم يدفعون حوالى 155 مليون مقابل ما يدفعه الأعضاء وهو 123 مليون دولار فقط". أما الإشارة لما يخصصه الاتحاد "للبرامج"، فلا يزيد على 2 في المئة من ميزانيته، علماً بأن "البرامج" هنا تشير إلى نفقات "البرلمان الأفريقي- مجلس حقوق الإنسان- المحكمة- نيباد..) أي أنها في النهاية نفقات أجهزة بيروقراطية أخرى! عندما أشرت إلى الدور العربي في مساعدة الاتحاد، لم أقصد صب بعض الأموال للأغراض البيروقراطية رغم أن الأوروبيين يفعلون ذلك كثيراً، ولكن تعالوا إلى نماذج من العون، الذي تبني خلاله الصين مبنى جديداً مذهلاً للاتحاد بأديس أبابا يتكلف حوالى 200 مليون دولار، وقد شاهدت العمال الصينيين يسعون بين الجدران مثل النمل للانتهاء منه في الموعد المحدد! ويبني الألمان مقر مجلس السلم والأمن الأفريقي في حدود 26.5 مليون يورو... وأتصور مثلاً أن يسهم العرب بمبنى وآليات لمكتبة وأرشيف وثائقي كبير، أو مقر إقليمي للاتحاد فى إحدى دول الشمال تأكيداً للعلاقات الخاصة بين المجموعتين، كما أتصور أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بتحرك مشترك فوق قطري برعاية الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية لتحقيق هذا الهدف. من جهة أخرى اعتقد أن تعاوناً ضرورياً بين الجماعة العربية وجنوب أفريقيا بوجه خاص - والسيدة زوما ممثلة جنوب أفريقيا في النهاية- يضمن للقارة توازناً يمكن تدريجياً أن يؤكد قدراً من استقلال القرار "الإقليمي" في مواجهة ذلك الضغط "الدولي" المتزايد كما نرى من "الدوائر الدولية". وقد يساعد ذلك السيدة "دلاميني زوما" نفسها على الاستقلال بدورها عن إطار جنوب أفريقيا الضيق، الذي تحكمه طموحات نحو مجلس الأمن، أو الدور المتميز مع الرأسمالية العالمية، إلى إطار حركة الوحدة الأفريقية التي كانت جنوب أفريقيا بعيدة عنه فترة ازدهاره. المصدر: الاتحاد 20/11/2012م