هل يمكن أن تمسك رابع امرأة بحقيبة الخارجية، في الولاياتالمتحدة الأميركية؟ أول من أنَّثت تلك الحقيبة- كما هو معروف- مادلين أولبرايت، في عهد بيل كلينتون، ثم جاءت كوندا ليزا رايس في عهد جورج بوش الابن. أما المرأة الثالثة، فهي المرأة التي ظلت لولايتين، سيدة أولى في البيت الأبيض.. هيلاري كلينتون، التي تلملم الآن أشياءها، وربما تغادر قريباً فريق أوباما، في ولايته الثانية هذه. أوباما عينه، على امرأة رابعة، تشاركه أصوله الإفريقية، ولعب كرة السلة، والتشدد إزاء إيران، وسوريا.. امرأة ضد المجازر! أتخيل الخرطوم الآن- العاصمة السودانية- تضع يدها على قلبها، وهى تنظر إلى المرأة التي تقع عليها الآن، عين أوباما. سوزان رايس تعرفها الخرطوم جيداً. حين كانت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، في عهد كلينتون، ظلت تحرض باستمرار على ضرب مصنع الشفاء، باعتباره أحد استثمارات بن لادن، وحين دكت صواريخ توماهوك المصنع، كانت رايس أول من صفَّق في واشنطن، وتنفست الصعداء،. وحين انفصل الجنوب، هللت، وحين شبت النيران في دارفور، راحت تشب هي في كل مرة، تتحدث عن الفظائع، والمجازر، التي يرتكبها نظام البشير، في ذلك الإقليم السوداني الذي يتغطى بالفقر، والقتل، والفرار، وتطالب بتدخل أممي حتى لا يعيد التاريخ تاريخ رواندا مع الدم الغزير، في دارفور! ليبيا القذافي، تعرفها جيداً. أتخيله وهو يغالب الإهانات وتغلبه، وهو ينظر إلى الدم في يده، وهو يتوجع برصاصة لا تعطيه موتاً رحيماً، يسب في سره تلك المرأة التي راحت تدق على طاولة مجلس الأمن، وتقول بإنجليزية تخرج من مناخيرها: القذافي يجب أن يرحل فوراً، والناتو يجب أن يتدخل لحماية المدنيين! سوريا الأسد تعرفها. مندوبها في مجلس الأمن بشار الجعفري، لو استطاع لاستحال إلى شبيح، ليقطع لسان هذه المرأة.. لسانها السليط.. والمنوب الروسي- فيتالي تشوركين، لولا بقية من حياء فيه، لكان قد شتمها رداً على شتيمتها، وهو ينظر في عينيها بغضب ويقول: «سوريا ليست قضية، يمكن السكوت عنها، أو طمسها، أو حلها بمثل شتيمتك هذه يا.. يا.. ياسيدتي! سوزان- إذن- ليست امرأة تساجل سياسياً بهدوء. إنها تحيل السجال إلى عاصفة، وتحوله مع الخصم، إلى مواجهة شخصية ضارية، وإن كانت- أحياناً- تهدأ، وتنمق الكلام بخبث، لتستميل الخصم، وتكسب جولة. لا أعرف.. وربما لا يعرف أحد غيري، من أين جاءت سوزان رايس، بكل هذه السلاطة في اللسان، وكل هذا المنهج الذي يقترب من العدوانية لتحقيق الأهداف. لا أعرف. كل ما أعرفه أن سلاطة اللسان (جرثومة) تضرب تلك العضلة الملساء، في الفم- التي يحرك بها الناس الكلام.. جرثومة تضرب ألسنة النساء بأكثر من ما تضرب ألسنة الرجال! ولا تزال عين لأوباما، على سوزان، والعين الأخرى، على رجلين: السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية، في مجلس الشيوخ، ومستشار الأمن القومي، توم دونيلون. امرأة واحدة- هكذا- هي في عين أوباما، تساوي في عينه الأخرى، خياره بين رجلين! هي- سوزان رايس- في نظر أوباما «امرأة قدمت عملاً نموذجياً، في مجلس الأمن الدولي، وفي الأمم إجمالاً».. وهى في نظره «ليست هدفاً سهلاً». امرأة بهذا ال«سي في» تبقى هي الخيار الأفضل، لرئيس أعظم دولة في العالم، يريد لأميركا أن تبقى- برغم الأعاصير والكراهية والانهيار المالي وأزمة الحلفاء مع اليورو- الدولة الأعظم التي تدير العالم كله، بإشارة من إصبع، أو.. أو لسان سليط! أميركا، لن تصير كذلك إذا ما اختارت للخارجية، هذه المرأة يا أوباما! هكذا ضجّ مجلس الشيوخ الأميركي، واحتشد ما يقارب المائة من النواب الجمهوريين، في مذكرة للرئيس، تقول بوضوح تام: مستر أوباما.. نحن نرى أن تسلم سوزان رايس لحقيبة الخارجية، يضر كثيراً بتحسين علاقات الولاياتالمتحدة الأميركية بالعالم.. ولا.. ولا يعزز ثقة الشعب الأميركي في إدارتكم!» أميركا يدها طويلة، وباطشة.. لكن شعبها- خاصة سياسييها- ذاكرتهم ضعيفة.. لو لم تكن، لكان الجمهوريون قد تذكروا- وهم غاضبون من رؤية مضروبة، من سوزان رايس، عن أحداث بنغازي- برؤية مضروبة منها، عن مصنع الشفاء في السودان. الجمهوريون غاضبون من رايس، لأنها لوت فمها، وقالت إن مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز والأميركيين الثلاثة، في بنغازي «لم يكن اعتداءً إرهابياً. كانت مجرد تظاهرة عفوية، انتهت بشكل سيئ» وكان ذلك- كما يرى الجمهوريون- محاولة من رايس لإخفاء الطابع الإرهابي للهجوم، من أجل حفظ ماء وجه إدارة أوباما، أمام أعين الشعب الأميركي! من معركة لمعركة، هو أوباما.. في معارك مع الجمهوريين.. ومعركة سوزان رايس، هي أولى معاركه بعد أن قصم ظهر ميت، في السباق الرئاسي. هل ينتصر أوباما، أيضاً، في هذه المعركة، أم يدير عينه عن المرأة التي تساوي رجلين؟ السؤال، ستجيب عنه الأيام المقبلة، حين تلوح هيلاري «باى.. باى!». المصدر: الوطن القطرية 21/11/2012م