نفى المتحدث بإسم المؤتمر الوطني الحاكم فى السودان، الاتهامات التى أطلقتها اسرائيل مؤخراً بشأن ضلوع السودان فى تهريب أسلحة الى غزة. وقال البروفسير بدر الدين أحمد ابراهيم -الأحد الماضي- إن الاتهامات الاسرائيلية محاولة لتبرير هزيمتها المريرة فى غزة. مشدداً على أن السودان لن يتخلّى عن حقوقه فيما تعرّض له من إعتداء اسرائيلي على مصنع اليرموك، مؤكداً ان اسرائيل -بهذه الاتهام- تحاول وضع السودان فى دائرة ما يسمى بالدول الداعمة للإرهاب. صحيفة (الصنداي تايمز) البريطانية كانت قد أوردت على صفحاتها –الأحد لماضي– نقلاً عن مسئول اسرائيلي إن أيران شحنت صواريخ من طراز (فجر5) الى قطاع غزة عبر السودان. والواقع ان الاتهامات الاسرائيلية – وعلى العكس من ظاهرها تماماً – تبدو شديدة الغرابة ليس لأنّ الدولة العبرية اشتهرت بالتلفيقات والأكاذيب لتبرير عدوانها، ولا لأنّ أقماره الصناعية -كما زعمت- إلتقطت الواقعة ووثقتها؛ ولكن لأنّ اسرائيل فى كل المرات الاربعة السابقة – بما فى ذلك الحادثة الأخيرة على مصنع اليرموك جنوبيّ الخرطوم – قصفت أهدافاً على الأراضي السودانية دون توجيه إتهامات مسبقة، فهي قصفت ثم لزمت الصمت، ثم لما بدأ نطاق الحادثة يتسع وتكثر الأقاويل أقرّت بالقصف وبرّرته بعد ذلك بقيام السودان بتهريب أسلحة الى حماس! هذه المرة، فضّلت اسرائيل توجيه الاتهامات هكذا إعلامياً ليس عن طريق تصريحات مباشرة وإنما عن طريق النقل عبر الصحف، وليس صحفاً إسرائيلية، ولكن صحفاً بريطانية. وجه الغرابة هنا، أن اسرائيل ربما حسبت حسابات معقدة قبل أن تشنّ هجماتها، إذ أن من المنطقي إن صحَّ ما زعمته ورأته بأقمارها الصناعية أن تهاجم وسائل النقل التى تنقل السلاح، فلماذا إذن لم تفعل؟ هذا السؤال يظل قائماً بشدة لكونه تكمُن فيه العديد من النقاط التى نحاول استخلاص بعضها هنا. فمن جهة أولى فإن من المرجح ان خطأ الحسابات الذى دفعها لمهاجمة السودان فى المرات السابقة ومهاجمة غزة قبل أيام قد أُجريت عليه بعض التعديلات من ناحية أن الأمر فى النهاية لن يحقق الهدف المرجوّ سواء لوضعها العامل الايراني -بكل ما يمثله لها من بُعبع ستظل تخافه بشدة- أو لعوامل خاصة بواشنطن التى ما فتئت تحاول كبح جماح حليفتها المتهورة بإستمرار، مخافة الإصطدام بصخرة ملساء قوية. ويكفي هنا أن نشير الى أن القادة الاسرائيليين -بغباء مضطرد- نجحوا فى إضعاف مواقفهم طوال السنوات الثلاثين الماضية التى خاضوا فيها حروباً جنونية فى المنطقة. من جهة ثانية فإن أحداً لا يمكنه إغفال التداعيات المريرة الخاسرة التى شنّتها اسرائيل مؤخراً على غزة والرعب البائن الذى دخل فيه قادتها جراء تساقط الصواريخ الموجهة من غزة الى تل أبيب مباشرة. لقد بدا واضحاً أن مقدراً الرعب الذى واجهه القادة اليهود كان كافياً ليفكروا -ألف مرة- قبل الإقدام على مهاجمةغزة، وهذا يعطي تفسيراً جيداً لإحجامهم عن مهاجمة الأسلحة المهربة -إن وجدت-! من جهة ثالث، فإن السودان نجح بإقتدار دبلوماسياً فى ملاحقة اسرائيل عبر أروقة المجتمع الدولي المختلفة وكاذبٌ من يزعم ان اسرائيل لا تتأثر البتة بمثل هذه المواقف، فقد عانت فى الآونة الأخيرة من عزلة دولية هى الأسوأ فى تاريخها، ولا يمكن لعاقل ان يعتقد أن بإمكان الدولة المدللة أمريكيّاً أن لا تكترث كثيراً بهذه العزلة الدولية، والغضب المستشري فى أرجاء عديدة من العالم. من المؤكد ان الحسابات الاسرائيلية بدأت تأخذ فى الاعتبار النتائج والمآلات، حتى ولو دفعتها بعنجهيتها المعهودة لإرتكاب حماقة جديدة!