هل صحيح أنّ السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة بنى حساباته في الدعوة للاعتصامات واحتلال الميادين وسفارات السودان بالخارج على ما يمكن أن تسفر عنه المحاولة (التخريبية) الأخيرة؟ كل الملابسات تشير الى أن الرجل فعل ما فعل بناءً على معلومات محددة تتعلق بتحولات قادمة في نظام الحكم ربما. تزامن الموقف الجديد الذي أعلنه السيد الصادق من المؤتمر الوطني مع توقيت المحاولة (التخريبية) يفجر ألف سؤال. المذكرة التي وقّعها حزبه كذلك مع الجبهة الثورية تشير إلى أنّ المهدي تحرك بناءً على معلومات سعى عبرها إلى تعزيز وضعية الحزب في أية محاولة للتغيير. الانتفاض المفاجئ للمهدي وانقلابه السريع على تحالفه مع المؤتمرالوطني وخروجه من البلاد كلها تطورات تُشير إلى أنّ الرجل بنى حساباته على (مُتغيِّر ما) وأنه هدف من خلال حراكه الأخير إلى تسويق موقف جديد لحزب الأمة. بالأمس نقلت الأخبار عن قيادات نافذة في الدولة قولها إنّ قوى سياسية كانت على علمٍ بالمحاولة (التخريبية) من بينها حزب الأمة، هذه القيادات استندت كذلك إلى معلومات مفادها جرأة المهدي الاستثنائية في الدعوة للاعتصامات وعزتها إلى أنه يحاول تسديد رسوم اشتراك مسبقة لمنفذي التغييرالجديد. ربما يرى البعض أنّ الأمر لا يعدو أن يكون تحليلاً نختلف أو نتفق على موضوعيته من عدمها.. وربما يرى آخرون أن الأمر نتاج لمعلومات مؤكدة.. لكن الراجح أن المهدي كان (راقد فوق راي).. وان الانقلاب السريع في علاقته من الوطني واقترابه المفاجئ من الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني يمكن أن يربطه المراقبون بأي تطور مناوئ للحكومة التي مضى في الحوار معها إلى آفاق بعيدة قبل أن يشن عليها هجوماً كاسحاً وينضم الى المعسكر الذي ينازلها سلماً وحرباً. خروج المهدي عن دائرة التعبير السلمي خسارة كبيرة للسودان.. فالرجل ظل يحتفظ بمنطقة وسطى بين الحكم والمعارضة أهّلته لأن يكون مُحاطاً بكثيرٍ من الحكمة والروية في تعاطيه مع أزمات البلاد.. ورغم أنّه ظلّ محل سخط المعارضين أحياناً.. والحاكمين في أحايين أخرى إلا أنه كان صاحب رؤية وطنية متماسكة تنأي عن المواجهة والتعبئة السالبة والدعوة للمنازلة على طريقة (الحشاش يملا شبكتو). المهدي كان على قناعات استراتيجية صادقة تدعو للتغيير السلمي وتنأي عن العنف تعلي صوت المطالبة بمصالحة وطنية شاملة، وتعتمد سياسة مفادها أن أوضاع السودان الملتهبة لا تحتمل تغيير السلطة بالقوة. الآن خسر المهدي دوره كنزيهٍ وسيط بين الحاكمين والمعارضين.. وجرّد مقعده الوطني من إزار الحكمة التي عُرف بها.. ولم يحصل كذلك على أي امتياز في منظومة حكم جديدة. ربما كسب المهدي مساحة جديدة وسط أهل المعارضة الناقمين على تواصله مع المؤتمر الوطني خلال المرحلة الفائتة واستجاب كذلك إلى دعوات لمنازلة النظام كادت تشق حزبه مرة أخرى.. وربما يكون الرجل قد (فش غبينته) على المؤتمر الوطني كذلك لكنه بالتأكيد (خرب مدينته) التي شيّدها بالاتزان والحكمة فخسره وطن كان يدخره رسولاً بين المتخاصمين وحكيماً يهدي أبناءه سواء السبيل الوطني. نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 29/11/2012م