خلافاً لما يُشاع من حين لآخر حول مصير ومآلات الموقوفين على ذمة المحاولة التخريبة وإحتمال تدخل وسطاء للإفراج عنهم أو إحتمال العفو عنهم -طبقاً للشائعات المنتشرة بكثافة فى هذا الصدد هذه الأيام- فإن الحكومة السودانية وفقاً لمتابعاتنا تبدو شديدة العزم على ترك الأمر برمّته فى يد الجهات العدلية المختصة، سواء ما كان منها أجهزة قضائية عسكرية، أو الجهاز القضائي العادي، وهو ما عبّر عنه بقدر واضح من الحزم، النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه فى لقاء جماهيريّ بضاحية الرميلة جنوبيّ الخرطوم عشية السبت الماضي، حيث وصف طه المتهمين بخيانة العهد وشق الصف. وقال بوضوح (سنحاكمهم بالقانون). ومن المؤكد أن طه -ذي الخلفية القانونية الجيدة، حيث عمل فى سلكيّ القضاء والمحاماة فى مقتبل حياته العملية- لا يلقي مثل هذا القول على عواهنه، ومن المؤكد ايضاً أن ما قد يكون قد وقف عليه من معلومات وتحقيقات حول المحاولة -بحكم منصبه المرموق- بدا بالنسبة له كافياً للتصريح بهذا الموقف، ولقياس درجة حرارة الماء الذى خاض فيه المتّهمون والذى تأكد أن من بينهم ضباطاً بالجيش السوداني وفقاً لما أشار اليه المتحدث بإسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد للتلفزيون السوداني يوم السبت الماضي، حيث أعلن الصوارمي عن ظهور أسماء جديدة، نافياً بشدة وجود إتصالات سياسية للضباط الموقوفين مع أيِّ جهات سياسية، ومشدِّداً فى ذات الوقت على عدم إتساع رقعة المتورطين بأكثر مما أشارت اليه التحقيقات الجارية حتى الآن، واصفاً التحقيقات الجارية بأنها فى أيدٍ عادلة، ومنوِّهاً لفاعلية قوانين الجيش السوداني وتغطيتها لمثل هذه الأفعال. المتحدث بإسم الحكومة السودانية الدكتور أحمد بلال عثمان من جانبه أعاد التأكيد على ان التحقيقات الجارية مع الموقوفين تجري وفقاً للإجراءات القانونية التى تراعي كفالة كافة الحقوق للمتهمين دون أيّ مساس بكرامتهم أو إلحاق الأذى بهم وأن بعضهم قد سجّل إعترافات قضائية بكل الوقائع موضوع الإتهام. هكذا إذن تبدو الصورة بالغة الوضوح، فقد إنتهجت السلطات السودانية منذ اليوم الأول نهج الإحتكام الصريح للقانون منعاً لأيِّ مزايدات هنا أو هناك أو كيل بمكيالين، كما قال الاستاذ طه فى اللقاء الجماهيري المشار اليه. ولعل هذا الموقف –فى حدود ما وضح جلياً حتى الآن– يعطي لمحة عامة وكافية لمسار التحقيقات من جهة، ومآلات هذه التحقيقات وما قد تفضي اليه من جهة أخرى. ومن المؤكد ان الأمر بدا بالنسبة للحكومة السودانية كإمتحان وضعتها فيه تصاريف وأقدار السياسة، إذ أن كثرة الشائعات والأحاديث التى راجت عن إحتمال الافراج عن الموقوفين -بضغط من هنا أو شفاعة من هناك- كادت بالفعل ان تُحدِث بلبلة فى أوساط الرأي العام السوداني بأن كيل الحكومة هذه المرة سوف يختلف لأنّ المتهمين فى المحاولة منها وبعضهم من صميم (لحمها الحيّ)! ما من شك ان مبدأ سيادة القانون هو الذى يفرض نفسه بقوة حيال الوضع برمّته، إذ ليس سهلاً على حكومة تبذل الغالي والنفيس سعياً لتداول سلمي للسلطة راسخ ومتطور أن تواجه بموقف مغاير تماماً لما تمضي نحوه بعزم ومثابرة. كما أن إقرار المتهمين لمبدأ التصفية الجسدية ونهج سفك الدماء ضمن مراحل الخطة المعدة لذلك يقتضي ردعاً من نوع خاص نظراً لما كان قد يقود اليه وضعاً كهذا فى بلد بالكاد يضمد جراحه ويسعى لوقف نزيف دماء أبنائه. لن يطول الانتظار كثيراً لكي تضع الجهات العدلية النقاط فوق الحروف، فقد تجاوزت الحكومة السودانية (برفق وحزم) التداعيات العاطفية والمشاعر، لأنّ الأمر بالنسبة لها يتصل بوطن هو دون شك يعلو ويسمو فوق الجميع.