قبل أن تنقضي تداعيات تورط مالك عقار فى فساد مالي جرى استدعاؤه على خلفيته على وجه السرعة الى جوبا -الأسبوع الفائت- إذا بقيادي آخر فى ما يسمى بالجبهة الثورية يتورط فى فساد مالي لتتم ملاحقته ولكن هذه المرة من كمبالا. فقد وردت أنباء من العاصمة اليوغندية كمبالا قبل يومين تفيد بأن مني أركو مناوي أحد قادة الجبهة الثورية مطلوب فى كمبالا، ويواجه إتهاماً جنائياً بالتصرف فى مبلغ 250 ألف دولار حصل عليها من أحد رجال الأعمال اليوغنديين لتمويل شراء أسلحة لفصيله. وما من شك أن مربط الفرس فى هذه الورطات المالية ليس هو المبلغ المطلوب. فكما رأينا فإن المبلغ فيما يخص ميناوي ليس بالقدر الكبير من الضخامة بحيث تجري بشأنه إجراءات قضائية تستلفت النظر والاهتمام. من المؤكد أن الورطة الحقيقية هي ورطة استخبارية تريد يوغندا من خلالها تصفية أمور استخبارية مهمة مع مناوي من جهة؛ ومع عقار عبر جوبا من جهة أخرى، إذ من المعروف أنّ كلاً من عقار ومناوي بجانب الحلو وعرمان وعبد الواحد جرى تكليفهم بقيادة ما يسمى بالثورية، وهو عمل مثلت فيه يوغندا رأس الرمح وتكفلت بأن تقوم بدور الوسيط فى التمويل، وإدارة الأمور، والأهم من كل ذلك السيطرة على هؤلاء القادة سيطرة تامة بحيث ينفذون ما يرد إليهم من توجيهات. ومن المعروف بداهة أن عملية السيطرة هذه تستلزم توريط المراد السيطرة عليهم فى أيّ نوع من أنواع الفساد بأي صورة من الصور؛ وهو أمر لفرط بداهته فات على فطنة هؤلاء القادة. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى العاصمة الجنوبية جوبا إن الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني بدا غاضباً غضباً شخصياً جراء تفلتات هؤلاء القادة وعدم التزامهم بما يرد إليهم من توجيهات، وقد قام مني أركو قبل أيام بجولة خارجية شملت بعض دول أوروبا والولايات المتحدة والتقى مسئولين مغمورين هناك بغرض الحصول على دعم خاص لفصيله، وهو أمر بحسب مصادر دبلوماسية فى كمبالا يخالف مقتضى التوجيهات اليوغندية التى قصرت وصول الدعم عليها، وقد تلقى مناوي قبل سفره تحذيراً نقله إليه أحد كبار ضباط المخابرات اليوغنديين ولكنه لم يأبه للأمر على اعتقاد أنه سوف يحصل على الدعم ويعمل على إعادة نشر فصيله فى مناطق خارج كمبالا ويتحاشى تماماً العودة لكمبالا. حسابات مناوي كما توقعها الرئيس موسيفيني لم تكن موفقة، فقد انسدت الأبواب التى طرقها فى الخارج عليه، وتلقى بدلاً عن ذلك تقريعاً شديداً من مسئولين أمريكيين بسبب أخطائه المتكررة وتجاوزه للرئيس موسيفيني. مناوي استخدم كافة الأساليب الناعمة ليحصل على دعم عاجل لقيادة عمليات مؤثرة فى دارفور ولكنه لم ينجح فى مسعاه. وكان أسوأ ما وقع فيه من أخطاء أنه عمل على كيل التُهَم لموسيفيني وبقية رفاقه فى الجبهة الثورية وسيطرتهم على المال وحرمانهم منه. وهى نقاط بالغة الخطورة والحساسية أفاض مناوي فى الحديث عنها إعتقاداً منه أن كل ذلك سيظل (سراً) لدى من إلتقاهم! فى الوقت الذى وصل فيه كل ذلك بسرعة فائقة لموسيفيني ليفكر بسرعة فى ملاحقة ميناوي بأسوأ طريقة مُهينة وبالغة الإذلال. أما عقار فإن ذات المصادر تشير الى انه عمل بطريقة لا تخلو من ذكاء على تحويل جزء كبير من الأموال التى حصل عليها بصفته رئيساً للجبهة الثورية لمصلحته الشخصية عبر عمليات مصرفية شديدة السرية والتعقيد فى بنوك أجنبية أروبية، ولكن سرعان ما انكشف أمره من جانب أحد مساعديه الذين أسرفوا فى جلسة أنس جنوبية ملتهبة فى الحديث لتلتقط آذان سامعيه وجلسائه الحقائق المذهلة. إذن هي مآزق شخصية خاصة، تحاول مخابرات أكثر من دولة أجنبية الاستفادة منها الى أقصى حد وتجييرها لصالحها ولصالح المزيد من السيطرة على العميلَين الذين خانهما ذكاؤهما وحاصرتهم هموم الفشل المتلاحق وصعوبات العمل المسلح ومخاوف الغد وهواجسه التى لا تنتهي.