تمرير الدستور ليس نهاية المطاف بل بداية مرحلة جديدة في معركة إسقاطه . هذا ملخص موقف رافضي الدستور في مصر بعد تصويت 65 في المئة من أصحاب حق الاقتراع لمصلحة الدستور . ومن المسلّمات أن يحترم جميع المصريين نتيجة الاستفتاء واللجوء إلى الجهات المعنية بشأن أية خروقات أو تزوير، وفي حال إقرار النتيجة نهائياً، من الضروري أن يكون النضال ضد الدستور والسلطة سلمياً، وأن يتكاتف المؤيدون والمعارضون ضد أي نزوع للعنف لأنه أسلوب مدمّر وكارثي ومشبوه، ويؤسس لدفيئة تنمو فيها الأفكار المتطرفة والتكفيرية، فضلاً عن فتحها الباب للتدخلات الخارجية الذميمة التي من شأنها مصادرة المستقبل وتحطيم أحلامه . يقول الحكماء إن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب، وهذه تصلح أيضاً لإدارة معركة الدستور والمعارك الكثيرة التي سيجد المعارضون أنفسهم يخوضونها، لكن ليس من باب المناكفة وتصيّد الأخطاء أو افتعالها للنظام الحاكم، بل انطلاقاً من واجب حماية منجزات الشعب المصري الذي خاض انتفاضة سلمية نظيفة تصلح لأن تكون نموذجاً يحتذى ودرساً يعمّم على شعوب الأرض كلها . لن نتحدّث عن تزوير أو خروقات، فهذه مسألة من اختصاص القضاء المصري الذي يبتّ بها، لكن ينبغي التذكير بأن التزوير في البلاد التي تدخل مرحلة “الروضة" في الديمقراطية، حيث تجري الكثير من مظاهر التزوير التي لا يشملها القانون أو يتناولها الإعلام، مثل استخدام مقدّرات الدولة في خدمة الحزب الحاكم، واستخدام المنابر الدينية وإرهاب الناس بفتاوى التكفير وإدخال قضية سياسية تحت طائلة الحلال والحرام في حالة الإسلام السياسي والوطنية والخيانة أو الحرية والدكتاتورية في حالة العلمانية أو الليبرالية الملحقة بالغرب، إضافة لشراء الذمم عبر استعلال حاجة الفقراء وعوزهم . كل هذه المظاهر ليست تزويراً فحسب، إنما إرهاب فكري بامتياز . ما يهم في معركة الدستور هو أن ال “نعم" ليست مطلقة، كما هي ال “لا" أيضاً، إذ إنه في كثير من الحالات وبفعل التجربة واستخلاص النتائج تتحوّل الأغلبية إلى أكثرية، والعكس صحيح، لأن الجماهير تتعلّم من تجربتها الخاصة أكثر من أي تنظير أو خطب منابر . من المهم أيضاً أن ما جرى ليس استفتاء على كفاءة الرئيس محمد مرسي أو سياسة الإخوان كحزب حاكم، فالاستفتاء الحقيقي حصل في الدورة الأولى من الانتخابات الرئيسة حيث لم يحصل مرسي سوى على 24 في المئة، أي خُمس أصوات حق الاقتراع، علماً بأن التجربة تقول إن من لا يذهبون إلى الاقتراع هم أكثر من يكونون بعيدين عن فكر الإخوان وتنظيمهم والأحزاب العقائدية على العموم، فهم فئة المهمشين الذين يأتي دورهم عندما يدفعهم بؤس أوضاعهم للاقتناع بضرورة أن يكون لهم صوت . معركة الدستور، على أهميته، لا يدرك أهميتها المواطن المصري البسيط، وبخاصة من لم تسمح له ظروفه لتعلّم القراءة والكتابة، وفي المراحل المقبلة ستتوسّع المعركة لتشمل المستوى المعيشي والأسعار والبطالة والعدالة الاجتماعية والكرامة، وكذلك هوية مصر واستقلالها واستعادة دورها القيادي عربياً وإقليمياً والريادي الفاعل دولياً، مثلما كانت قبل خمسين عاماً عندما كان رئيسها الراحل جمال عبد الناصر يستقبل في يوغوسلافيا والهند والاتحاد السوفييتي وغيرها، كأنه زعيم لتلك البلدان . وهذا يفرض بالضرورة إدخال العلاقات مع الكيان الصهيوني والاتفاقيات الموقّعة معه، وفي مقدّمها اتفاقيات “كامب ديفيد" في صلب عناوين المعارك المقبلة . في بدايات عصرهم الجديد تجاهل الإخوان المسلمون حقيقة مهمّة سيدركونها بعد حين، وهي أن المراحل الانتقالية التي ترث أعباء كبيرة من العهد السابق، تتطلب التوافق الوطني . أما وقد فضّلوا الاستئثار متكئين على كونهم القوة الأكثر تنظيماً، فإنهم سيواجهون عصارة التجربة وتبعاتها وحدهم . المصدر: الخليج 25/12/2012م