قال المسئول السياسي فى حزب المؤتمر الشعبي المعارض، وأحد مكونات تحالف المعارضة كمال عمر عبد السلام إن تحالف أحزاب المعارضة تحدى السلطة الحاكمة إذا ما أُقيمت انتخابات حرة ونزيهة فى ظل حكومة انتقالية. عمر قال إن التحالف لن ينتظر الانتخابات المقبلة، وحين فوجئ بما إذا كان تحالفهم لا يقرّ بمبدأ الانتخابات باعتبارها الوسيلة الوحيدة المثلى للتداول السلمي للسلطة، عاد وأقرّ بأن تحالف المعارضة يقر بمبدأ الانتخابات ولكنه لا يرى مناخاً مواتياً لها فى ظل وجود السلطة الحاكمة الحالية. ولم يكن الأمر يحتاج لكبير عناء لإدراك ما وراء هذه التصريحات المثيرة حقاً للاستغراب. فهذه القوى المعارضة أنشأت تحالفها هذا على أساس أنها هي البديل الشرعي المنتظر للحكومة الحالية، ومضت أكثر من ذلك لتؤكد -حتى فى تسمية تحالفها- أنها القوى الغالبة ولهذا أطلقت على نفسها قوى الإجماع! فإذا فهمنا من ذلك بالضرورة أنها أقوى بكثير من الحكومة الحالية وأنها (حاصلة على إجماع) السودانيين، وأنها هي التى تحظى وحدها بالمقبولية السياسية فما الذي يضيرها إذن لتحمل كل قواها وإجماعها وجماهيرها هذه لتنازل الوطني منازلة فاصلة فى أيّ استحقاق انتخابي مقبل؟ من الطبيعي والمنطقي أن من يأنس فى نفسه الكفاءة السياسية والجماهيرية المؤثرة ألا يكترث كثيراً بما إذا كان المسرح مهيئاً ومفصلاً تفصيلاً له، أم أنه مسرح سياسي واسع يفوز فيه ويربح صاحب البضاعة الجيدة والعرض الممتاز المسنود جماهيرياً. إن من العجز أن يقول كمال عمر -دون حياء ودون أن يطرف له جفن- أن قادة الوطني فازوا فى استحقاق الانتخابي الفائت فى ابريل 2010 بما لديهم من سحرة! بإمكانهم تحويل صناديق الاقتراع الحقيقية إلى مزيفة! لم تعرف الساحة السياسة السودانية فى طولها وعرضها وطول تاريخ السودان السياسي الحديث والقديم مسئولاً سياسياً تذرع بفشله فى الانتخابات العامة لأن الطرف الآخر يستخدم سحرة يحولون الصناديق فى لمح البصر! إن مؤدى ما قاله عمر فى هذا الصدد أن المؤتمر الوطني ساحر، ولهذا فهم لا يستطيعون منازلته فى الانتخابات ما لم يتخلّ عن سحره، ويهيئ المسرح جيداً ويوضع كل شيء فى مكانه! ولعل ما غاب عن عمر فى هذا الجانب أن تحالفه فشل – لأكثر من عشرين عاماً – فى زحزحة الوطني من السلطة دعك من إضعافه أو إسقاطه، فكيف إذن ستتم تهيئة المسرح (والقضاء على السحر) وإنشاء حكومة انتقالية ومن ثم تجري الانتخابات العامة لتفوز فيها قوى الإجماع ب(ارتياح) ودون أية معوقات؟ من سيتولى إسقاط الوطني وقوى الإجماع نفسها تقر بفشلها؟ وهل يا تري أن جماهير السودانيين ستستخدم هذه القوى التى تنتظر حدوث المعجزات لتقوم حكومة انتقالية وانتخابات (سهلة وميسّرة) لتفوز فيها كأنها تشرب كوب ماء فى ليلة صيفية عليلة النسائم؟ إن المفهوم الخاطئ الذى يمسك بخناق هذه القوى المعارضة -بعيداً عن أحاديث السحر والحُواة- هو أنها تركز على (نتائج انتخابية سابقة). كل قوى المعارضة فى تحالفها هذا تعيش على ما يمكن أن نسميها (النوستالجيا) السياسية، أي الحنين المتصل للماضي قبل حوالي ربع قرن من الزمان. تعتقد هذه القوى بعقلية أقرب الى مرض (التوحد) النفسي أن التاريخ وقفت عقاربه فى ثمانينات القرن المنصرم، وأن جماهير الأحزاب تلك ما تزال مجمدة فى ثلاجة سياسة عتيقة تنتظر إخراجها عند الضرورة لتصبح زاداً طازجاً لهذه القوى المعارضة! ولعل الأكثر مدعاة للاستغراب أن هذه القوى تتحدث عن سيطرة الحزب الوطني على كافة المؤسسات الحكومية! وهي تجهل أن من يشغلون هذه المؤسسات الحكومية هم فى النهاية سودانيين وليسوا أجانباً جاءوا من الخارج، وإذا كانت الحكومة السودانية تمتلك كل هذا القدر من منسوبيها وتسيطر على كل شيء فإن من العبث والاستخفاف بالعقول الزعم بأنها حكومة غير مسنودة جماهيرياً! إنها ليست مجرد أزمة سياسية داخل قوى المعارضة ولكنها أزمة المفاهيم السياسية التي تعيشها قوى المعارضة. مفاهيم لا تعرف الممارسة الديمقراطية، إلا في ظل وجوده وحدها ومن خلفها فترة انتقالية. إن السودانيين ما يزالوا بإمكانهم احترام قوى المعارضة هذه لو أنها ظلت تخوض الانتخابات تلو الانتخابات ولو لثلاثة عقود قادمة حتى يتكلل مسعاها بالنجاح، إذ ليست الديمقراطية هي إقصاء السلطة الموجودة – بأي وسيلة – ثم البدء من الصفر من جديد فى مسلسل مطول، ممل، لا هو أعطي هذه القوى المعارضة المكانة السياسية التى تنشدها، ولا هو جنّب البلاد التوترات والتراجع الى الوراء بإستمرار!