في مخادعة لا تفوت على فطنة السودانيين – حتى البسطاء منهم – يقول المرشح الرئاسي للحركة الشعبية ياسر عرمان أنه يترشح للرئاسة وفي رصيده الجماهيري (4) مليون ناخب جنوبي!! هم عدد ناخبي الجنوب السوداني. وفي العادة فإن البعض درج على التسليم ببعض الأخطاء الشائعة كما هي، والبعض تبدو له قريبة من الواقع ولهذا يزداد مقدار الأمل والخيال عند البعض ويبتئس البعض وهذا نابع من طول عهدنا في السودان بمنافسة انتخابية حامية وواسعة النطاق كهذه، ولكن دعونا نتساءل – من موقع المراقب المستقل للشأن السياسي السوداني – عن حقيقة الرصيد الانتخابي للمرشح الرئاسي عرمان. هل الرجل يخادع بالفعل كما يقول البعض، أم أنه جاد ويصدق ما (توسوس له به نفسه) ويجعلها حقيقة يحاجج بها بجدية ويستند عليها؟ الواقع أن عرمان وقع أسيراً لاعتقاد شائع خاطئ الى حد كبير مفاده أن أصوات الناخبين الجنوبيين مضمونة له، وقد زين له البعض سواء من قادة الحركة ورفقائه الأيدلوجيين فيها أو بعض بقايا الحزب الشيوعي الذين فارقوا الحزب حين اهتزت ارضه وتفرق ما بين حق عدلان وحق وراق، وزعامة نقد، زينوا له أن الحركة الشعبية رشحته وقدمت له (مهراً) هو أربعة مليون ناخب من الجنوب وعليه ان يبحث عن أربعة مماثلين في الشمال لينافس أوفر المرشحين الرئاسيين حظاً، أو على أسوأ الفروض يحرم المنافس الأوفر حظاً – على أدنى تقدير – من الملايين الجنوبية الاربعة جرياً وراء سياسة تشتيت الأصوات الشهيرة!، هكذا يبدو الأمر وهكذا طفق عرمان – بنشوة واضحة – يردد هذه المقولة في كل محفلن وكل ساحة حتى تكتب عند الناخبين حقيقة!! أن أصوات الجنوبيين الذين وعدته الحركة بضمان حصوله عليها، هي الآن موضع شك كبير، كيف ذلك؟ لقد تفاجأت الحركة الشعبية نفسها بأن عدد مقدر من قادتها (350) قيادياً ترشحوا مستقلين عن الحركة ومن ثم جرى فصلهم منها ولن يعودوا اليها بعد أن (ضمنوا) فوزهم. والمنطق يقول اذا لم تستطع الحركة السيطرة على قادتها لكي يتخلوا عن مزاحمة زملائهم المرشحين باسمها فكيف لها بل ومن أين لها أن تضمن أصوات ناخبين لمرشحها الرئاسي؟ اذ من المؤكد ان الذين سيقفون وراء هؤلاء المرشحين المستقلين لن تكون لهم أدنى مصلحة في دعم ترشيح أحد قادة الحركة لأن صلتهم بالحركة قد انقطعت منذ أن تم فصل من وقفوا خلفهم من الحركة، وحتى لو افترضنا – جدلاً – أن الذين يدعمون المرشحين المستقلين (وهم شعوب وقبائل في الجنوب لا يستهان بهم) قد قرروا دعم المرشح الرئاسي للحركة فإنهم لن يدعموا مرشحاً شمالياً اذ أن الذي يرفض دعم مرشح جنوبي في الجنوب ويصر على دعم مستقلين بعامل قبلي من باب أولى لا تكون لديه الرغبة في دعم مرشح حركي شمالي وحتى لو أراد التصويت الشمالي فهو في هذه الحالة سوف يفضل أي مرشح رئاسي شمالي آخر خاصة البشير ليضمن على الاقل استقراراً وسلاسة في تنفيذ اتفاق السلام الى حين عبور مرحلة تقرير المصير ونضيف الى ذلك أيضاً – لفائدة عرمان – أن الجنوبيين لا يمكن أن يصوتوا لشمالي من الحركة، هو أقل درجة من زعيمها ليصبح زعيماً فوق زعيم الحركة. وهكذا فإن أوهام عرمان بدعم (4) مليون جنوبي من أي زاوية نظرنا إليها لا يسندها أي منطق!!