أولها الحركة الشعبية، فقد باغت مرشحها الرئاسي ياسر سعيد عرمان الوسط السياسي في السودان بطلب غير معهود في كافة الأعراف والتقاليد الانتخابية حين طلب من مرشح الحزب الوطني المشير البشير (التنحي) والانسحاب من السباق الرئاسي لصالح الحركة، لضمان وحدة السودان!!، فهذا الطلب كان من الممكن قبوله من مرشح رئاسي وافر الحظ وضامن بنسبة كبيرة للفوز ويتهكم من خلاله على منافسه، أن كان منافسه هذا ضعيفاً تماماً ولا أمل له في الفوز، كما أن الطلب متداول بين المرشحين حين تكون عملية التصويت قد أجريت وأشارت النتائج الأولية، أو استطلاعات الرأي إلى ترجيح كفة مرشح بعينه، وهو في هذه الحالة ومن باب النشوة بالنصر، والتبكيت على خصمه يطلب منه الانسحاب. غير أن عرمان – لمضحكات زماننا ومبكياته – لم يقل ما قال في أي من السياقات أعلاه، وإنما فاجأ الوسط السياسي بل وفاجأ حركته نفسها بطلبه الغريب هذا. ولعل أقل ما يشير استغرابنا هنا هو أن عرمان أولاً افترض أن المنافسة محصورة فقط بينه وبين الرئيس البشير وأن الآخرين لاحظ لهم في المنافسة وهم (10) مرشحين لم ينسحب أي منهم حتى الآن لصالح أحد. وثانياً أفترض عرمان أن الفائز رقم (1) والأوفر حظاً هو الرئيس البشير لهذا طلب منه التنحي والتنازل لأنه لم لم يكن الأوفر حظاً لما طالبه عرمان بالتنازل حيث لا يمكن طلب التنازل من (حصان خاسر)!! إذ لماذا لم يطلب عرمان من أي من المرشحين الآخرين الانسحاب؟ لماذا طالب البشير وحده؟ الأمر الثالث، ان عرمان – الكثير الحديث عن الديمقراطية – طالب البشير بالانسحاب ونسي أن انسحاب البشير لا يعطي الحق لأحد بأن يجري عملية تحويل لرصيد البشير إلى (موبايل عرمان الانتحابي) بصورة تلقائية، فعرمان هنا صادر ضمنياً حق الناخبين واعتقد أن أصواتهم في حالة انسحاب البشير سوف تكون في جيبه هو وحده!! والأمر الرابع أن عرمان وبعد أن يصوت له مؤيدي البشير يكون قد ضمن الفوز الذي بدوره يضمن للسودان الوحدة!! هذا السلوك قضي تماماً على فرص الحركة الشعبية وهزمها مبكراً فهي (تهدد) الناخبين والناخبين السودانيين لم يتعودوا على التخويف والتهديد سواء كان المقابل وحدة أو انفصالاً! ثاني القوى السياسية التي هزمت نفسها هي حزب الأمة بزعامة المهدي حيث قال السيد مبارك الفاضل الملتئم حديثاً مع أبن عمه السيد الصادق أن خطتهم هي (النزول بمرشح رئاسي موحد) مما أثار حفيظة بقية القوى السياسية وجعلها تبدو ناقمة على الحزب وأشار إلى أن الحزب ينتوي (شيء ما) وعلى هذه القوى الأخرى – منذ الآن التحسب منه مما أفقده رصيدها على الأقل مبكراً. ثالث القوى هي المؤتمر الشعبي الذي أخرج ملفات انطوت، وجعل زعيمه الدكتور الترابي ينبش ماضي أليم لن يجعل الناخب السوداني يتعاطف معه على الأقل لكونه كان شريكاً فيما يقوله، وهو يقوله الآن لأسباب انتخابية فقط ولا يضع اعتباراً لعامل السرية والإخوة الذي كان بالأمس وهو أمر يتوجس منه الناخب السوداني حيث يعدو فاقداً للثقة في رجل (يفضح) الناس على الملأ، ويتحدث عن أسرار تتنافي مع طبيعة السودانيين. وهكذا فان هنالك ثلاثة قوى على الأقل حتى الآن فقدت حظوظها – على قلتها – في المنافسة وخدمت خصمها الوطني خدمة لم يكن ينتظرها وهي تحسب أنها تحسن صنعاً!!