لسوء حظ المتحالفين الجدد من عناصر الجبهة الثورية وقوى الأحزاب السودانية المعارضة أن الإسم الذي انتخبوه ليكون عنواناً لوثيقة التحالف الخجولة هو الفجر الجديد. وكلمة الفجر هذه واحدة من إشارات السياسي المثير للجدل الدكتور منصور خالد فى سفره الشهير (الفجر الكاذب) الذي وجّه فيه نقداً لاذعاً لتجربة الرئيس الراحل جعفر نميري حين أقدم الأخير على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى سبتمبر 1983م. وبالطبع المجال هنا لا يتسع للخوض فى ذلك الكتاب العجيب ولا المناسبة هي مناسبة للتعرُّض له، ولكن من المهم أن تستلفت كلمة الفجر هذه من يسمع بالاسم المستحدث للتحالف الوليد؛ إذ أنَّ الاسم سرعان ما يتبادر الى ذهن المتلقي مقروناً بالكاذب، ولو إنتبه واضعوا الاسم لهذه النقطة لما اختاروه. كما أننا لو قلنا إن الدكتور منصور خالد جرت استشارته فى الأمر لما سمح بذلك وفق ما عُرف عنه من صرامة وصراحة فى الفذلكة وتعقيد المصطلحات والأوصاف والكلمات. وبالمقابل فإن وجود فقهاء لغة وعاشقي تنظير سياسي داخل مكونات التحالف، أمثال السيد الصادق المهدي والدكتور الترابي، هو الآخر يثير الارتياب حول ما إذا كانوا (قد وافقوا) على هذا الاسم ذي الرنين غير المحبب لدي الدكتور الترابي بصفة خاصة، لما له من انعكاس عليه من واقع النقد المؤلم الذى طاله فى كتاب الفجر الكاذب كونه كان يومها -فى عهد مايو- واحداً من المستفيدين من سلطة مايو. الدكتور الترابي ما كان ليرضى بمسمى كهذا وهو يذكّره بالكثير مما لا يود أن ينكأ جراحاً ربما اندملت أو طواها الزمن. ولهذا فإن من المرجح أن اختيار الاسم جرى داخل دائرة الثلاثي الذي يقود الثورية (عرمان والحلو وعقار) وفى ذلك إشارة الى أن هؤلاء الثلاثة رغم كل ما كسبوه بنجاحهم فى (جرّ) أقدام قادة كبار الى مقطورتهم (مجاناً)، أمعنوا فى إذلال هؤلاء القادة فى سلبهم حتى التوافق على إسم التحالف وفرضوه فرضاً عليهم. أما إن كانت هنالك فرضية أن كلٌ من د. الترابي والسيد الصادق هم من اقترحوا الاسم، فإن هذا يبقى – حتى ولو صح – فى خانة الغرائب السياسية التى تفوق ما وراء وراء الخيال. هذا من حيث اللغة والنظر، وأما من ناحية السياسة فإن التحالف فى الواقع لم يضف على صعيد الجهد العسكري والسياسي جديداً. يكفي أن الحكومة السودانية قابلته ببرودة أعصاب وهدوء تأمين، وهو أمر غير مألوف إن كان التحالف يشكل خطراً حقيقياً، فالجبهة الثورية -صغرت أم كبرت- تعمل منذ أعوام ولم تولد اليوم. أقصى ما بلغته لم يتجاوز ضربات نادرة هنا أو هناك لم تمكنها من السيطرة على أرض أو منطقة ذات أهمية إستراتيجية. خلافات القادة المالية والفكرية والسياسية معروفة، وإخفاقاتهم فى عقد اجتماعاتهم الطارئة والعادية هي الأخرى معروفة. حساباتهم المالية المعقدة فى كمبالا ونيروبي ما تزال تمسك بخناقهم، بل إن تمويل الثورية – سلاحاً وعتاداً – ما يزال يشكل أزمة فى ظل وجود تنافر بين مكونات الفصائل العسكرية المكونة لها، وقد وقعت عدة مواجهات فى هذا الصدد تكتم عليها القادة وبعضها ذات وشاع. قوى المعارضة من جانبها عمرها السياسي فى المعارضة فى أقصى تقدير لا يتجاوز العشرين عاماً. لم تنجح أيا منها حتى الآن فى تشكيل تهديد جدّي وحقيقي للسلطة الحاكمة. لم تنجح فى إخراج مظاهرة قوامها مائة شخص حتى سخر منها الراحل نقد، سكرتير الحزب الشيوعي (بكرتونته الشهيرة) التى وضعها في ميدان أبو جنزير قبل سنوات وخط عليها العبارة السياسية الواسعة الدلالة والأبعاد (حضرنا ولم نجدكم). هذا الواقع المزري للجانبين لا يمكن أن ينتج عنه واقع أفضل؛ فالزيجة التى تتم بين طرفين كلٌ منهما يعاني اعتلالاً صحياً لا يمكن أن تثمر بالضرورة مولوداً. وكما يقول العالم الألماني الأصل الأمريكي الجنسية (ألبرت اينشتاين): (إذا فعلت نفس الشيء بذات الطريقة وذات الأسلوب وبنفس المعطيات آملاً أن تحقق نتائج مختلفة فأنت أحمق)! وهو ما ينطبق بحذافيره على ما بات يُعرف بقوى الفجر الجديد، فالوثائق والأوراق لا تفيد ولا تفعل لوحدها شيئاً. وتجربة التجمع الوطني الشهيرة ما تزال حاضرة وماثلة فى الأذهان حيث ذابت ذات القوى السياسية فى وعاء كانت تقوده وقتها الحركة الشعبية التى كانت تقاتل الحكومة المركزية فى الخرطوم وفى خاتمة المطاف تخلت الحركة الشعبية عن المقطورة فى عرض الطريق دون أن تستجيب لصيحات الاستغاثة المجنونة الصادرة عن من كانوا على تلك القاطرة المعطوبة. وعودةً الى الفجر الجديد فإن من المؤكد أن قادته توسلوا بأحلامهم في صياغة الإسم وهم لا يعرفون أن فجره ليس سوي فجر كاذب!