بصرف النظر عن جدوى التحالف المستحدث بين الثورية والأحزاب السودانية المعارضة وما إذا كان بإمكانهما تحقيق شيء على الأرض – سلماً أو حرباً – فإن الخطوة المعلنة بالطبع تحتم مساءلة الأحزاب المتحالفة قضائياً. والمحاسبة القضائية هنا تقتضيها الضرورات المتعلقة بالممارسة الديمقراطية والتي تحظر حظراً واضحاً الجمع بين العمل السياسي السلمي والسلاح. التحالف الذى تم هذه المرة تم علناً ودون مواربة، إذ ربما أرادت الأحزاب المعارضة اختبار السلطة الحاكمة وسعة صدرها، أو أن تصوّراً خاطئاً طاف بذهن هذه القوى السياسية المعارضة اعتبرت فيها أن ما قامت به ليس سوى (إتفاق سياسي) عن بعد فالثورية هنالك فى الميدان، وهي هنا فى الساحة السياسية. وهو تصور لن يفوت على فطنة أحد وينقصه قدراً كبيراً من الذكاء، ففي النهاية تعتبر الوثيقة الناتجة عن التحالف وثيقة سياسية تجمع بين الاثنين معاً فى صعيد واحد بحيث يعتبر الاثنان – بموجب الوثيقة – جسد واحد، ومن المعروف بداهة أن الجسد الواحد يضم (الأعين) والأرجل والأيدي التى تبطش! لقد توقعنا منذ زمن بعيد أن تقع القوى السياسية المعارضة فى هذا الفخ المنصوب بعناية، وللأسف الشديد -وما أكثر ما يؤسف كلما تعلق الأمر بقوى المعارضة والأحزاب السودانية- فإن عناصر ما يسمى بالثورية بدوا أكثر دهاء وخبثاً باستخدامهم لهذه القوى هذا الاستخدام الأسوأ من نوعه. ففي مخيلة (خبثاء الثورية) أنهم بهذه الخطوة التحالفية يحققون واحد من عدد من الأهداف ليس من بينها هدف فيه فائدة لتعساء الأحزاب المعارضة. فمن جانب يتعرّض قادة القوى المعارضة لملاحقة قانونية من جانب السلطة الحاكمة تأسيساً على أن قانون الأحزاب السياسية السوداني 2007 يحظر حظراً تاماً القيام بنشاط مسلح للحزب السياسي. هذه الملاحقة إما أفضت الى حل الحزب قضائياً -بموجب القانون المذكور- وفي هذه الحالة تستفيد الثورية بتخلصها من الحزب وخروجه من المعادلة حتى لا يعكر صفوها إذا خلت لهم الساحة لاحقاً؛ وإما أفضت الى تخلّي الحزب – بفعل ضغط القانون السياسي – عن التحالف فيتخلص قادة الثورية منه أيضاً ويعتبرونه (سقط فى البحر) ليواصلوا إبحارهم دون أن يتلفتوا إليه مستقبلا. تجدر الإشارة هنا -وهي إشارة خطيرة ومهمة للغاية- أن من أهم أجندات الثورية غير المعلنة، التخلص بكل الطرق من القوى السياسية السودانية، خاصة التقليدية المعروفة بتوجهات قادتها التاريخيين! وهذا التحالف يقطع لها نصف المسافة على الأقل فى سعيها هذا. من جانب ثاني فإنه وعلى افتراض نجاة هذه الأحزاب من ملاحقة الحكومة، فإن الثورية تستفيد منها فى تمرير أجندتها وتتحول هذه الأحزاب – رغم كل ما تدعيه من جماهيرية وتاريخ – الى (بقالات قطاعي سياسية) لصالح (المورد) الموجود بالخارج، وهو ما عبّر عنه فى غضب مكتوم قيادي شهير ومعروف فى حزب تقليدي موقِّع على التحالف، لزعيم الحزب ولم يجد زعيم الحزب ما يصد به منطقه سوى الإنتهار والزجر. قبول هذه الأحزاب بأن تصبح (غرفة أمامية) لاستقبال الضيوف وإطعامهم، سيكون مراناً مطلوباً لهم لكي يظلوا فى ذات الخدمة مستقبلاً شاءوا أم أبو، لأن الذي يرضى بالدنية فى حزبه مرة سيرضاها ألف مرة! من جانب ثالث فإن الثورية -الشديدة السرور بالتحالف- أعادت تسويق نفسها- على ضآلة حجمها -كحركة تمرد مماثلة لحركة قرنق أيام تمرده الأول. ومن الغريب والمؤلم أن (يعيد التاريخ نفسه) بالنسبة لهذه الأحزاب المعارضة بإرتضاء الإرتداف مع حركة مسلحة ولعب دور مجاني لترضى فى خاتمة المطاف –كما فعلت مع الشعبية– من الغنيمة بالإياب!