تداعيات العملية العسكرية التي عجلت بها فرنسا في مالي لتخليصها من قبضة الجماعات الاسلامية المتشددة بدأت تمتد الي خارجها باحتجاز رهائن أجانب في جنوب شرق الجزائر. ومن المحتمل ألا تنجو منها دول أخري مثل نيجيريا والنيجر اللتين قررتا المشاركة في الحملة بقوات, والمغرب التي سمحت مع الجزائر بعبور الطائرات الحربية الفرنسية أجواءهما, بالاضافة الي الامارات التي أعلن الرئيس الفرنسي أنها وافقت علي المساعدة. فنيجيريا تكتوي بنار بوكو حرام والجزائر والمغرب بنار تنظيم القاعدة, والامارات التي توجد بها قاعدة بحرية فرنسية تهددها الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب, وذلك بعد أن أخطأت باريس وكشفت عن أسماء الدول التي فتحت مجالها الجوي لطائراتها أو وعدت بمساعدات. أما مصالح الدول الغربية, خاصة فرنسا ورعاياها, فمن المؤكد أن وتيرة استهدافها ستتسارع انتقاما بعد الضربات الجوية الفرنسية المكثفة لمواقع الجماعات المتطرفة مدعومة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا لوجستيا واستخباراتيا وربما بمستشارين عسكريين. حتي نحن في مصر يجب أن نحذر ونشدد الرقابة علي حدودنا الغربيةوالجنوبية جيدا لمنع دخول عناصر القاعدةوحلفائهم من المتطرفين إذا نجحت الحملة العسكرية في طردهم من مالي. المجتمع الدولي لن يواجه فقط تصاعدا في وتيرة الارهاب, بل أيضا أزمة لاجئين ومشردين تضاف الي أزمات مستفحلة أخري في السودان والصومال وسوريا وأفغانستان وما قد يترتب عليها من صراع دموي بين اللاجئين وأبناء الدول التي فروا اليها علي موارد الرزق الشحيحة أصلا. ولن تكون أزمة المشردين داخل مالي أخف وطأة لأنهم الأكثر عددا ولا تستطيع الحكومة بامكانياتها الضعيفة توفير المسكن والمأكل والدواء لهم,هذا اذا قدر الله لهم النجاة من الموت في المعارك أومن انتقام المتمردين بتهمة التعاون مع الأجانب والتجسس لصالحهم. وليس من المستبعد أن يحدث ما تخوف منه الأمين العام للأمالتدخل العسكري قضي تماما علي فرص تسوية مشكلة التمرد بالتفاوض, إلا أنه أصبح الخيار الوحيد لانقاذ مالي من التقسيم الذي قد يغري متمردين آخرين في دول مثل نيجيريا والسنغال والسودان وتشاد ليحذوا حذوهم أو أن تتحول مالي إلي مركز لتنظيم القاعدة والجماعات الحليفة مثل التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وأنصار الدين وأنصار الشريعة لإثارة القلاقل في دول الجوار التي للدول الغربية مصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة فيها أو ينطلقوا منها إلي أوروبا عبر شمال افريقيا والبحر المتوسط لشن عمليات ارهابية. لقد أعطي قرار مجلس الأمن بنشر3300 جندي افريقي تساعدهم دول غير افريقية في مالي الأولوية للجهود السياسية قبل اللجوء الي القوة المسلحة, لكن المفاوضات التي رعتها الجزائر وبوركينا فاسو لاقناع الجماعات المتمردة بإلقاء السلاح وإنهاء سيطرتها علي الشمال الذي يمثل ثلثي مساحة الدولة باءت بالفشل, وتراجعت أنصار الدين عن موافقتها علي وقف القتال متهمة الحكومة بعدم الجدية في حل الأزمة.واشترطت التوحيد والجهاد للتفاوض أن توافق الحكومة علي تطبيق أحكام الشريعة بتفسيرهم المتشدد لها علي كل أنحاء البلاد, وهو ما رفضته الحكومة التي ترفض أيضا التفاوض مع عناصر القاعدة معتبرة اياهم ارهابيين. كماأجهز علي الأمل الضعيف في التوصل إلي حل سلمي استيلاء المتمردين علي بلدات مثل كونا وديابالي بوسط البلاد مما دفع فرنسا للتعجيل بالتدخل عسكريا قبل أن يغريهم ذلك بالزحف نحو العاصمة لاسقاط الحكومة الانتقالية المكلفة باعداد البلد لانتخابات جديدة. يبدو أن العملية العسكرية سيطول أمدها بعد أن اعترف الفرنسيون بالمقاومة الشرسة التي أبداها المتمردون والأسلحة المتطورة التي يستخدمونها وقد تتحول مالي الي مستنقع للقوات الفرنسية والافريقية لا تخرج منه إلا مثخنة الجراح. وفي كل الأحوال لن يحل السلام الا بعد أن تستجيب الحكومة للمطالب المشروعة للطوارق وتعطيهم حكما ذاتيا واسعا وتهتم بتنمية مناطقهم وتفرج عن المعتقلين منهم وتعوض من يلقون أسلحتهم ماليا وتدمج من يصلح منهم بالجيش وتجد فرص عمل للآخرين..عند ذلك قد يتم تجفيف المنابع عن تنظيم القاعدة ويسهل بالتعاون مع الغرب احباط مخططاته. وهذا يحتاج لأموال كثيرة لابد أن تساعد الدول الغربية الحكومة علي توفيرها. المصدر: الأهرام 21/1/2013م