الجغرافيا والتاريخ عناصر أساسية للأمن القومي لأية دولة، فلابد أن نتذكر أن كل أمن منوط بجغرافيا من ناحية، على سبيل المثال، الشعب السوداني لم يختر بإرادته موقعه، فرض عليه ووجد هذا الموقع عند ملتقى القارات وله ظروف، بل كل الدول لم تختر موقعها، ولكن هناك أشياء ثوابت جاءت إلينا وأخذنا بها ولم يكن في مقدورنا أن نتخلى عنها. الموقع السوداني الجغرافي يفرض علينا ضرورات أمن معينة وسياسة معينة، بمعنى أن الشعب والارض كلاهما محكومان في امنهما القومي، والأمن القومي لأية دولة تقريباً هو الأمن القومي لكل انسان، لكل فرد، كل عائلة، لكل قرة، لكل مدينة، لكل وطن، لكل اقليم، والحرص على حياة سليمة وصحية. فالأمن القومي لأي وطن مرهون بمنافسات الجوار، ومطامع الدول الاخرى ومطالب عالمية معينة، المهم كيف يدير البشر صراعاتهم في أمنهم القومي، على كل المستويات، لكن مطالب الأمن القومي بالنسبة للامم تقريباً هي مطالب الأمن الشخصي او الذاتي بالنسبة لأي فرد لكنها على نطاق اوسع. لعله من الضروري أن يكون لكل نظام معارضة لكن المعارضة السودانية منذ الاستقلال وحتى تاريخه سلكت سلوكاً يسهم في تهديد الاستقرار السياسي للسودان، بالرغم من أن اغلب تاريخ السودان قد شهد تبادل المعارضة والحكومة لمقاعد السلطة والمعارضة. ولقد ظل سلوك المعارضة السياسية السودانية دائماً غير مسؤول.. تجاه الاهداف القومية العليا القائمة في كل العهود.. فمثلاً اطفاء حريق الحرب الأهلية في الجنوب هو احد الاهداف القومية العليا للسودان، الذي بتهديده سقطت حكومات كثيرة وكان ذلك واضحاً بالنسبة لمعارضة الجبهة الوطنية للاحزاب في عهد 52 مايو. شئ آخر في سلوك جميع المعارضات السودانية خلال كل العهود الماضية التي مرت، هو الاستخدام السيئ لحق العاملين في الدولة في الاضراب عن العمل فاذا كانت البنيات الاقتصادية الاجتماعية للسودان هو ملك وطني لكل الشعب، فإن استخدام الاضراب عن العمل ظل وسيلة سياسية وليست مهنية في يد المعارضة، تستخدمها لتحقيق اهدافها دون تقدير لحجم الخطر الذي يهدد الشعب السوداني. ان المعارضة تهدف لاسقاط الحكومة من خلال الانهيار الاقتصادي او التخريب في الخدمات لاثارة غضب الشعب عليها او اظهارها بمظهر الضعف والانهيار، وذلك من خلال الاضرابات والمظاهرات التي شهدها السودان وتم فيها تكسير وحرق للممتلكات العامة.. وذلك يدل على أن الممتلكات العامة والحفاظ عليها لا يؤخذ بحسبانها هدفاً قمياً، وقدرة من مقدرات الوطن التي تعينه على مواجهة الاخطار. وهذا السلوك المزدوج الذي يعيشه السودان، حدد التعامل الخارجي الدائم معه (الحكومة القائمة والمعارضة)، التي تستخدم كل الاساليب لضرب الحكومة، فإزدواجية التعامل العالمي مع السودان باعتباره حكومة ومعارضة، أهدرت كل ثمرات السياسة الخارجية والوزن الواحد للسودان في المحافل الدولية، هذا التعامل مع المعارضة من قبل الدول الخارجية ادى لرهبن ارادتها في سلوكها اثناء المعارضة وعقب وصولها للحكم، حيث ظلت الاحزاب الحاكمة تدفع قيمة (كمبيالات) استلمتها وتسدد فواتير استدانتها لصالح الدول التي استضافتها عند معارضتها. وما أفرزته المعارضة من اخلاقيات في تاريخ السياسة ادخل السودان في نوع جديد من الصراع، هو صراع الكتل والفئات القومية فأصبحت تتنازعه ثلاث قوى، (القوات النظامية، النقابات والاتحادات، الاحزاب السياسية)، في الفترات الانتقالية عقب ثورتي اكتوبر 1964، ابريل 1985م داخل جبهة الهيئات والتجمع الوطني على التوالي نتج ذلك في شكل الحديث عن قانون الانتخابات ودور القوى الحديثة في المجتمع ووزنها، والآن اصبحت هناك قوى أخرى متمثلة في (حركات المعارضة المسلحة). وأرى أن أفضل نموذج – لا للحصر – للمعارضة السياسية العربية هو المعارضة المصرية، لأسباب عدة أهمها في تقديري أنها تعارض من داخل الوطن، وكذلك وطنيتها في كثير من مطالبها وكما يعجبني كثيراً الاسترخاء الحكومي تجاه ترك المعارضة تقول ما تريدن بل إن الحكومة تستجيب من دون استحياء لكثير من مطالب المعارضة المرتبطة باللياقة السياسية واللباقة الاجتماعية. المرحلة الحالية والقادمة، تتطلب معارضة سياسية راقية، وبمفهوم (شامل للأمن القومي السوداني)، وداخل الوطن وليس خارجه، وقد يصاب بعض المعارضين بالخوف من النظام القائم ولكن اعتقد أن المرحلة الحالية والقادمة لا تستطيع أن تخفي شيئاً من ذلك، فالحرية العالمية اليوم أعطت فرصاً كبيرة لكشف كل الخبايا والخفايا والاسرار. نأمل أن تحظى المعارضة بالتحرير، وأن يدرك المعارضون لماذا ولأجل من يعارضون هي أمان شخصية أم آمال شعبية من أجل الوطن، وأن يعلمون أنهم بحاجة ماسة الى فك رموزها وذلك بمراعاة المصلحة، وضرورة أن يكون للمعارضة معرفة بتريجيح المصلحة على المفسدة، وأن تكون المعارضة بناءة، توحد وتبني الارض والانسان، ونسبية لا تحتكر العلم المطلق أو الحقيقة الكاملة أو المعرفة الشاملة، وتخط وتصيب وعندما تخطئ ترجع عن خطئها فور ظهور الحقيقة، وتتسابق في الاقوال والافعال لخدمة الوطن والمواطن. يجب علينا شعباً وحكومة ومعارضة أن نتفق على ماهية المصالح العليا للوطن وصونها، ونحسن التقدير لأي اخطار واقعة أو متوقعة، وأن ندرك طبيعة التهديدات المختلفة في شتى المجالات سياسياً، أمنياً وعسكرياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وفكرياً وتداخلاتها وتفاعلاتها فيما بينها وأن نأخذ في الحسبان – عند تقدير المخاطر – خصوصية الظرف الذي تمر به البلاد. أريد أن أصل الى نتيجة واحدة هي أن يكون المعارض السياسي الحر والحقيقي الى جوار الحاكم، يعترض وينتقد نهجه واسلوبه وكلماته، وبشجاعة وجرأة، وأن يصوبه اذا اخطأ وأن يعطيه حقه اذا أصاب فمتى نكون كذلك، سؤال اجابته الوحيدة هي يجب أن نكون. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة السودانية 22/2/2010م