الجغرافيا والتاريخ عناصر أساسية للأمن القومي لأية دولة ، فلابد أن نتذكر أن كل أمن منوط بجغرافيا من ناحية، على سبيل المثال، الشعب السوداني لم يختر بإرادته موقعه، فُرض عليه ووجد هذا الموقع عند ملتقى القارات وله ظروف، بل كل الدول لم تختر موقعها، ولكن هناك أشياء ثوابت جاءت إلينا وأخذنا بها ولم يكن في مقدورنا أن نتخلى عنها. الموقع السوداني الجغرافي يفرض علينا ضرورات أمن معينة وسياسة معينة، بمعنى أن الشعب والأرض كلاهما محكومان في أمنهما القومي، والأمن القومي لأية دولة تقريباً هو الأمن القومي لكل إنسان، لكل فرد، لكل عائلة، لكل قرية، لكل مدينة، لكل وطن، لكل إقليم، والحرص على حياة سليمة وصحية. فالأمن القومي لأي وطن مرهون بمنافسات الجوار، ومطامع الدول الأخرى، ومطالب عالمية معينة، المهم كيف يدير البشر صراعاتهم في أمنهم القومي، على كل المستويات، لكن مطالب الأمن القومي بالنسبة للأمم تقريباً هي مطالب الأمن الشخصي أو الذاتي بالنسبة لأي فرد، لكنها على نطاق أوسع . لعله من الضروري أن يكون لكل نظام معارضة، لكن المعارضة السودانية منذ الإستقلال وحتى تاريخه سلكت سلوكاً يسهم في تهديد الإستقرار السياسي للسودان, بالرغم من أن أغلب تاريخ السودان قد شهد تبادل المعارضة والحكومة لمقاعد السلطة والمعارضة. ولقد ظل سلوك المعارضة السياسية السودانية دائماً غير مسئول.. تجاه الأهداف القومية العليا القائمة في كل العهود.. فمثلاً أطفاء حريق الحرب الأهلية في الجنوب هو أحد الأهداف القومية العليا للسودان، الذي بتهديده سقطت حكومات كثيرة، وكان ذلك واضحاً بالنسبة لمعارضة الجبهة الوطنية للأحزاب في عهد 25 مايو. شئ آخر في سلوك جميع المعارضات السودانية خلال كل العهود الماضية التي مرت، هو الاستخدام السيئ لحق العاملين في الدولة في الإضراب عن العمل، فإذا كانت البنيات الإقتصادية الإجتماعية للسودان هو ملك وطني لكل الشعب، فإن استخدام الإضراب عن العمل ظل وسيلة سياسية وليست مهنية في يد المعارضة، تستخدمها لتحقيق أهدافها دون تقدير لحجم الخطر الذي يهدد الشعب السوداني. إن المعارضة تهدف لإسقاط الحكومة من خلال الانهيار الاقتصادي أو التخريب في الخدمات لإثارة غضب الشعب عليها أو إظهارها بمظهر الضعف والإنهيار، وذلك من خلال الإضرابات والمظاهرات التي شهدها السودان وتم فيها تكسير وحرق للممتلكات العامة.. وذلك يدل على أن الممتلكات العامة والحفاظ عليها لا يؤخذ بحسبانها هدفاً قومياً، وقدرة من مقدرات الوطن التي تعينه على مواجهة الأخطار. وهذا السلوك المزدوج الذي يعيشه السودان، حدد التعامل الخارجي الدائم معه (الحكومة القائمة والمعارضة)، التي تستخدم كل الأساليب لضرب الحكومة، فإزدواجية التعامل العالمي مع السودان باعتباره حكومة ومعارضة، أهدرت كل ثمرات السياسة الخارجية والوزن الواحد للسودان في المحافل الدولية، هذا التعامل مع المعارضة من قبل الدول الخارجية، أدى لرهن إرادتها في سلوكها أثناء المعارضة، وعقب وصولها للحكم، حيث ظلت الأحزاب الحاكمة تدفع قيمة (كمبيالات) استلمتها وتسدد فواتير استدانتها لصالح الدول التي استضافتها عند معارضتها. وما أفرزته المعارضة من أخلاقيات في تاريخ السياسة أدخل السودان في نوع جديد من الصراع، هو صراع الكتل والفئات القومية، فأصبحت تتنازعه ثلاث قوى، (القوات النظامية، النقابات والإتحادات، الأحزاب السياسية) ، في الفترات الانتقالية عقب ثورتي أكتوبر 1964، أبريل 1985م داخل جبهة الهيئات والتجمع الوطني على التوالي، نتج ذلك في شكل الحديث عن قانون الانتخابات ودور القوى الحديثة في المجتمع ووزنها، والآن أصبحت هناك قوى أخرى متمثلة في (حركات المعارضة المسلحة). وأرى أن أفضل نموذج- لا للحصر- للمعارضة السياسية العربية هو المعارضة المصرية، لأسباب عدة أهمها في تقديري أنها تعارض من داخل الوطن، وكذلك وطنيتها في كثير من مطالبها, وكما يعجبني كثيراً الاسترخاء الحكومي تجاه ترك المعارضة تقول ما تريد, بل إن الحكومة تستجيب من دون استحياء لكثير من مطالب المعارضة المرتبطة باللياقة السياسية, واللباقة الاجتماعية. المرحلة الحالية والقادمة، تتطلب معارضة سياسية راقية، وبمفهوم (شامل للأمن القومي السوداني)، و داخل الوطن وليس خارجه، وقد يصاب بعض المعارضين بالخوف من النظام القائم, ولكن اعتقد أن المرحلة الحالية والقادمة لا تستطيع أن تخفي شيئاً من ذلك، فالحرية العالمية اليوم أعطت فرصاً كبيرة لكشف كل الخبايا والخفايا والأسرار. نأمل أن تحظى المعارضة بالتحرير، وأن يدرك المعارضون لماذا ولأجل من يعارضون هي أمانٍ شخصية أم آمال شعبية من أجل الوطن، وأن يعلمون أنهم بحاجة ماسة إلى فك رموزها وذلك بمراعاة المصلحة، وضرورة أن يكون للمعارضة معرفة بترجيح المصلحة على المفسدة، وأن تكون المعارضة بناءة، توحد وتبني الأرض والإنسان، ونسبية لا تحتكر العلم المطلق أو الحقيقة الكاملة أو المعرفة الشاملة، وتخطئ وتصيب وعندما تخطئ ترجع عن خطئها فور ظهور الحقيقة، وتتسابق في الأقوال والأفعال لخدمة الوطن والمواطن. يجب علينا شعباً وحكومةً ومعارضةًً أن نتفق علي ماهية المصالح العليا للوطن وصونها، ونحسن التقدير لأي أخطار واقعة أو متوقعة، وأن ندرك طبيعة التهديدات المختلفة في شتي المجالات " سياسياً، أمنياً وعسكرياً، اقتصادياً، إجمتاعياً، وفكرياً" وتداخلاتها وتفاعلاتها فيما بينها, وأن نأخذ في الحسبان عند تقدير المخاطر خصوصية الظرف الذي تمر به البلاد. أريد أن أصل إلى نتيجة واحدة هي أن يكون المعارض السياسي الحر والحقيقي إلى جوار الحاكم، يعترض وينتقد نهجه وأسلوبه وكلماته، وبشجاعة وجرأة، وأن يصوبه إذا أخطأ وأن يعطيه حقه إذا أصاب، فمتى نكون كذلك، سؤال إجابته الوحيدة هييجب أن نكون