لم يترك الناطقون السياسيون والإعلاميون باسم الدول النفطية مناسبة تمر من دون التأكيد على أن النفط لم يعد سلاحا ، ولا ينبغي أن يكون ، وأنه منحة السماء لأصحاب هذه البلاد ، وضعها الله في باطن الارض لاستخراجها وبيعها والاستفادة منها ومن عائداتها ، في الصرف على الصحة والتعليم والبنى التحتية. الأكثر تعقيدا من بين هؤلاء الناطقين ، أمطرنا بوابل من الأرقام والإحصاءات و"الدراسات الاكتوارية" حول الانتاج والأسعار والعرض والطلب ، والمخزون والمطلوب ، لا لشيء إلا للبرهنة على أن حظر تصدير النفط إلى بعض الدول المستهلكة ، الذي لجأت إليه الدول العربية في مطلع سبعينيات القرن الفائت ، لن يتكرر وأنه آخر الاستخدامات السياسية لهذه السلعة الاستراتيجية. على أننا نكتشف الآن ، ونحن في حمأة عمليات بناء "سيناريو العقوبات والحرب على إيران" ، بأن النفط العربي ما زال سلاحا ، بل وقد يكون أكثر الأسلحة مضاء ، في مواجهة إيران التي لا تحتاج إلى نفطنا ، بل إلى بعض مشتقاته ، والأهم ضد الدول التي ما زالت مترددة عن الالتحاق بصفوف المقاطعة والعقوبات ، ولم تتموضع بعد في خنادق الحرب المقبلة على إيران ، عندما تحين لحظة الحقيقة والاستحقاق ويصبح "لا بد مما ليس منه بدُّ". في المعلومات أن واشنطن حصلت على تعهدات خليجية قاطعة ، بالالتزام بفرض حظر على تصدير البنزين إلى إيران ، من بين جملة من الإجراءات التي جرى بحثها والاتفاق عليها ، وهذه نقطة ضعف إيرانية بارزة ، بل ويمكن القول أن يد إيران مجروحة. وفي المعلومات أيضا أن بعض هذه الدول العربية انضم إلى الجهود الرامية لإقناع الصين أو إرغامها على فك ارتباطها بإيران ، والانضمام إلى "الإجماع الدولي" المندد بها وببرنامجها النووي ، لا سيما ان الصين تحظى بنصيب وافر من صادرات الخليج النفطية. تكتيك العصا والجزرة ، هو ما نصحت به واشنطن وهيلاري كلينتون دول النفط لاستخدامه مع بكين ، فإن رضي التنين الصيني بفرض عقوبات على إيران أو عدم عرقلتها في مجلس الأمن على أقل تقدير ، كان له كل ما احتاج إليه من نفط وطاقة ، وهناك دول عربية منتجة للنفط ، مستعدة دائما لزيادة انتاجها لتعويض نقص الأسواق وزيادة طلبها ، وهي فعلت ذلك زمن "عراق صدام حسين" ، وها هي تعيد الكرّة اليوم زمن "إيران أحمدي نجاد" ، وقد أُبلغت الصين بهذا الأمر ، بيد أن العملاق الصيني يرفض أن يضع جميع بيضاته في سلة واحدة ، وهو صاحب استراتيجية "تنويع مصادر الطاقة" ، وهو الذي استثمر عشرات المليارات من الدولارات في عدد من الدول المنتجة لتطوير انتاجها وزيادته ، تلبية لاحتياجاته المتزايدة للطاقة ، ويقال أن إيران استثمرت ما لا يقل عن 120 مليار دولار في إيران خلال 10 - 15 سنة ، معظمها في قطاع النفط ، وهي بكل تأكيد غير راغبة ، ولن تكون ، في تبديد هذه الثروة وطمرها في رمال بلاد فارس. وفي المعلومات أيضا وأيضا ، أن تباطؤا في صاردات بعض الدول العربية من النفط إلى الصين قد حصل بالفعل ، وبنسبة لا تقل عن 16 بالمائة ، في رسالة لن يصعب على القيادة الصينية تفكيك رموزها وطلاسمها ، فإما السير مع "المجتمع الدولي" في فرض عقوبات على إيران ، وإما المجازفة في التحول إلى "هدف لهذه العقوبات" حالها في ذلك حال إيران ذاتها. خلاصة القول ، أن النفط ما زال سلاحا ، تستخدمه الدول العربية ، وبتشجيع من الولاياتالمتحدة وبعض العواصم العربية ، وهو سلاح فعّال وبتّار طالما أنه موجه إلى إيران ، أما حين يتوجه إلى إسرائيل ومن يدعمها ، فعندها يصبح "إرهاب دولة" و"تطاول على القانون الدولي" و"تهديد للسلم والاستقرار الدوليين". هي معايير بعض الغرب المزدوجة ، تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما تلوّح روسيا بسلاح النفط والطاقة ضد بعض جمهوريات الموز الجديدة على تخوم الاتحاد السوفياتي المنحل كأوكرانيا وجورجيا ، في حين يدفع المسؤولون أنفسهم في هذه الدول ، نظراءهم العرب لاستخدام سلاح النفط والطاقة ضد إيران ، أما الموقف العربي فضائع في ثنايا المعايير المزدوجة والعجز والنفاق و"قلة الحيلة" وأحيانا "التواطؤ". المصدر: الدستور 23/2/2010