ليس بوسع أي مراقب منصف أن يقلل بحال من الأحوال من الإتفاق الإطاري الذي تم توقيعه مؤخراً بالعاصمة القطرية الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة بزعامة الدكتور خليل ابراهيم، فالاتفاق تضمن بنوداً هامة للغاية ظلت ولاتزال هي مبتغى الأطراف بالنسبة للصراع الدائر في دارفور، فقد تضمن الاتفاق وقف لاطلاق النار ووقف العدائيات وهذا دون شك في اي عمل تفاوضي بمثابة حافز كبير ويحمل مؤشر مهم على امكانية التوصل الى سلام نهائي لأن وقف المواجهات يتيح للنازحين واللاجئن العودة الى قراهم ومدنهم ويمنحهم الشعور بالاستقرار ومن ثم يعاودون حياتهم الطبيعية، كما يتيح للمنظمات الانسانية الطوعية – وطنية كانت أو أجنبية – التحرك بفاعلية لمقابلة احتياجات المتأثرين ومعالجة أوضاعهم وقضاياهم بيسر وهدوء. كما يتيح ذات الاتفاق لقوات حفظ السلام المرابطة في الاقليم (اليوناميد) القيام بواجبها في مناخ مواتي بعد أن تعرضت مؤخراً لهجمات واختطاف عربات وأصبحت هي نفسها في حاجة لحماية. تضمن الاتفاق ايضاً اطلاق سراح الأسرى من الجانبين تدعيماً لعنصر حسن النية وحتى تترسخ الثقة بين الطرفين بحيث يدخلان جولة التفاوض بذهن صافي ويصوبان الأذهان نحو القضايا الجوهرية الهامة التي على أساسها سيتم انهاء الصراع نهائياً. تتجلى ايضاً أهمية هذا الاتفاق في أنه أعطى المجتمع الدولي فكرة واضحة عن طبيعة الاوضاع في دارفور حيث اسهمت الدعاية الاعلامية المقصودة من جهات بعينها في رسم صورة قاتمة للأوضاع وصورت بعض القوى الدولية الامر بما يشبه استحالة حل الأزمة عن طريق التفاوض ولكن – ولدهشة هؤلاء – فإن الاتفاق تم، والأهم من ذلك رعته قوى اقليمية مؤثرة وأسهمت فيه وهي تشاد وليبيا وأريتريا ودولة قطر مما أعطى مؤشراً على أن الحل ليس صعباً وأن بداياته قد ظهرت. أمر آخر ينضاف الى أهمية الاتفاق وهو التحاق حوالي (10) حركات دارفورية مسلحة في الدوحة بالاتفاق الامر الذي يسر وذلل عملية تكاثر الحركات المسلحة وصعوبة توحيد رؤاها ومن ثم صعوبة التفاوض معها. وهكذا فإن الاتفاق الاطاري – سواء من حيث عناصره السياسية او توقيته ومشاركة القوى الاقليمية والدولية فيه أعطى دفعة ايجابية كبرى لقضية سلام دارفور وهي بدورها دفعة قوية نحو التحول الديمقراطي المنشود في السودان. ويبقى من المهم في هذا الصدد أن تتضافر جهود القوى السياسية السودانية – بتجرد كامل وبوطنية عالية ومسؤولة في دعم الاتفاق بحسبانه عملاً وطنياً خالصاً ليس من الحكمة النظر اليه كإنجاز (انتخابي) خاص بهذا الحزب أو ذاك، فالكل ظل يتطلع لحل أزمة دارفور، وها هي تبدأ بحل نفسها وتحتاج الى رعاية ودعم وطني من الجميع للوصول الى السلام الشامل المنشود.