فيما تؤكد الحكومة السودانية والمفوضية العامة للانتخابات أن الانتخابات قائمة في موعدها ولم تظهر أسباب جدية جديرة بالتأجيل، فإن قوى سياسية معارضة – خاصة ما باتت تعرف بقوى ملتقى جوبا – بدأت تتذرع بذرائع شتى سعياً منها للحصول على تأجيل. تارة بدواعي استكمال أزمة دارفور، وتارة بدواعي فات أوان الحديث عنها مثل الاحصاء السكاني، والقوانين، وفرص المرشحين في وسائل الإعلام الرسمية، وهكذا وكما يقولون تتعدد الأسباب والهدف واحد، تأجيل الانتخابات. وما من شك أن طلب التأجيل أو بالأحرى (حلم التأجيل) هذا كان من الممكن احترامه، وقبوله موضوعياً لو أنه استند على أسباب موضوعية حقيقية ولكن من الواضح أن التأجيل القصد منه الركون الى مصادفات مستقبلية أو حوادث، أو أي حائل يحول بين هذه القوى والانتخابات العامة. ولعل أسطع ما يشير الى ذلك أنه وما أن بدأت الحملة الإنتخابية حتى خاب أمل الناخبين في بضاعة القوى السياسية المزجاة وغير المطابقة حتى للحد الادنى من المواصفات التي يمكن قبولها اذ أن من حق المرء أن يتساءل عن ذنب الناخب السوداني اذا كان حزباً سياسياً يقول على رؤوس الأشهاد أنه قاد انقلاباً عسكرياً من قبل وقادر – لاحظ لعنصر الثقة والتهديد هنا – يقول أنه قادر على تنفيذ انقلاب آخر! لقد كان هذا ما ورد على لسان زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي، كيف لناخب يتطلع لتداول سلمي للسلطة ويريد برامجاً تعينه على حياته وخدماته وتنميته وسلامه وأمنه واستقراره أن يتلقى تهديداً بانقلاب عسكري من حزب يزمع خوض انتخابات عامة؟ هل تصلح هذه البضاعة للتسويق السياسي؟ ما ذنب الناخب السوداني اذا كان حزباً آخراً يقول مرشحه الرئاسي أنه لا يحبذ بداية حديثه باسم الجلالة وأنه سوف يقيم دولة علمانية؟! هل هذه بضاعة صالحة في بلد غالبيته من المسلمين بل من الذين تقوم تقاليدهم الاجتماعية على التعاليم الاسلامية؟ هل من الممكن لمن يطمع في أصوات الطرق الصوفية وعامة السودانيين في القرى والمدن أن يعدهم بأنه لا مكان للدين في نظام حكمه؟ هل هذه بضاعة كما عرضها مرشح الحركة الرئاسي؟ وهل ما قاله زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي عن أسباب فشل رئاستين سابقتين له للوزارة في السودان كفيلة بقبول الناخب السوداني له؟ وهل حزب يطلق على حزبه اسماً غاب حتى في المهد الذي ولدت فيه وماتت فيه أن يستطيع تسويق بضاعة (خرجت من السوق السياسي) ولم تعد صالحة حتى في بلادها كما يفعل الحزب الشيوعي السوداني، وينتظر من عامة السودانيين أن يصوتوا له من أجل (غد افضل) واشتراكية تركها العالم بعد شيوع اقتصاد السوق؟ هل هذه النماذج الانتخابية جادة وقارئة لطبيعة الملعب السياسي الذي تلعب فيه؟ ان من المؤكد أن هذه القوى السياسية تعاني من (داء يخصها) وحدها وان كانت محقة في شئ فهي محقة في أنها لم تترك خياراً للناخب السوداني ومن ثم فإن هذا لن يصلح سبباً للتأجيل، وحتى ولو تم التأجيل فإن ذات هذه البضائع سوف توضع في مخازنها ليعاد استخراجها في الاجل الجديد. ان الازمة هي أزمة برامج وأفكار عالقة فيها القوى السياسية السودانية وعليها أن تعالجها وحدها لا أن تطلب من الناخبين انتظارها أو اختيارها وهي عليلة كل هذه العلل!!