أياً كان الرد الذي سيتلقونه من الحكومة السودانية أو مفوضية الانتخابات بشأن تأجيل الانتخابات ، فان المرشحين الرئيسيين الثمانية الذين تقدموا بطلب تأجيل الانتخابات (رسمياً) لم يضعوا أسباباً موضوعية مقعنة تدعو للتأجيل ، إذ ان الحديث عن منحهم فرص للمخاطبات ،و فرص اعلامية و دعم مالي ، والقائمة المطولة من المطالبات هى مطالبات لا نبالغ ان قلنا انها مخجلة ! فالانتخابات المطلوب تأجيلها هذه كانت معلنة منذ خمسة ستنوات ،و إذا كان الساسة لا يملاكون الحد الادني من الشعور بالمسئولية ،و الحس السياسي و ليست لديهم نظرات مستقبلية ثاقبة ، فهم غير جديرين البتة بنيل ثقة الناخبين السودانيين ، إذ من شأنهم فى ذلك - دون استخفاف – شأن الطالب الذى قضي العام الدراسي كله لهواً و لعباً وهو يعلم ميقات الامتحان طالب بتأجيله ! ان هذا الوضع واحد من أكبر مآسي و كوارث السياسة السودانية ، حيث يترك كل شئ للمصادفة و حيث (يفاجأ) الساسة بالامور و هى تحدث فلا هم يقرأون و يستقرأون و لا هم يستشعرون المسئولية الوطنية. تري ما ذنب الناخبين السودانيين الذين اجتهدوا غاية الاجتهاد فى الصبر و الاحتمال وزر التدافع نحو التسجيل بنسبة غير مسبوقة ؟ و لماذا تريد هذه القوى السياسية احباط الناخب السوداني بعد أن تهيأ ، وأعد العدة لممارسة دوره الانتخابي ، بل لماذا يتم تحميل هذا المواطن وزر الصرف المهول على العملية الانتخابية ، ثم يتقرر تأجيلها (لسواد عيون هذا الحزب او ذاك)؟ ان كل الاجراءات التى تمت و المرحل التى قطعتها العملية الانتخابية مراحل متقدمة و عميقة و وصلت مرحلة تحيد مراكز الاقتراع و ترحيل بطاقات الاقتراع الى الجنوب و وصول المراقبين الاجانب واكتمال كافة الاستعدادات ، بل و برمجة كل شئون البلاد على الجدول الزمني المقرر للإنتخابات ، حيث أوقف مجلس الوزراء جلساته الدورية ، و انفض البرلمان ، و جري اعفاء بعض الولاة لضمان نزاهة و حيدة الانتخابات ، وتمت برمجة جميع امتحانات المدارس و الجامعات لتنتهي قبل بدء العملية.. هل يعقل بعد كل هذا الجهد والمال المبذول و الاعداد الشاق ان يتقرر تأجيل الانتخابات - ببساطة شديدة - لكي تستعد القوى التى ( لم تستعد) لها ؟ إننا بالطبع لا نحجر على هؤلاء المرشحين حقهم فى المطالبة بما يشاءوا و لكننا بالمقابل - و هذا وحده المهم لدينا- حريصون على ان يتم احترام عقل الناخب السوداني احترام رغبته و إرادته ، إذ أن الشعور بأن هذه الانتخابات هى محل للمزايدة و التنازع و التقديم و التأخير من شأنه ان يقود الى أن يزهد هذا الناخب فى ممارسة حقه ، بل يزهد حتى فى الحلم بممارسة راشدة مختلفة عن الممارسات القبيحة السابقة التى جعلته يفضل الانظمة الشمولة على الانظمة النيابية !