أطلقت حركتيّ العدل والمساواة (جناح جبريل إبراهيم) وتحرير السودان (جناح مني أركو مناوي) بياناً اسفيرياً - مطلع الأسبوع الماضي - حصلت (سودان سفاري) على نسخة منشورة منه. البيان وبلغة حانقة يشير الى تجوال قوات تشادية بصحبة رتل من الدبابات والآليات الثقيلة لأنحاء متفرقة من إقليم دارفور معتبرة الأمر تدخلاً تشادياً فى الشأن السوداني وأنه تكرر كثيراً كان أوله بداية الأزمة. الجيش السوداني من جانبه وعلى لسان المتحدث بإسمه العقيد الصوارمي قال إن تواجد عناصر من الجيش التشادي داخل الأراضي السودانية يستند الى برتوكول أمني بين الدولتين والذي أنشأت بموجبه قوات مشتركة من الجانبين بحيث تجوب كل قوة أماكناً محددة داخل أراضي الدولة الأخرى بمسافة محدودة، ففي الوقت الذي كانت تجوب فيه القوات التشادية أماكناً بعينها داخل الأراضي السودانية كانت هناك قوات سودانية تفعل ذات الشيء داخل الأراضي التشادية. وأضاف العقيد الصوارمي إن القوات المشتركة أنشأت منذ حوالي 3 أعوام، أي فى العام 2010 وحدّد البروتوكول مقراً مشتركاً للقيادة بحيث ينتقل تارة الى الجنينة بغرب السودان وتارة أخرى مدينة أبشّي التشادية. ولعلنا نستغرب قبل الاسترسال فى سبر غور بيان الحركتين، أن (تستيقظ) الحركتان بعد ثلاثة أعوام بالتمام والكمال لتكتشف أن هناك قوات تشادية داخل أراضي سودانية! وهو أمر محير حقاً، فقد عايشت هاتين الحركتين بالذات مجمل تداعيات النزاع السوداني التشادي الذى امتد لأكثر من 5 سنوات والأكثر مدعاة للحيرة أن النزاع السوداني التشادي ذاك الذى وصل مفترقات طرق خطيرة لم تكن أسبابه سوى هاتين الحركتين جراء الدعم الرغد الذى كانت تشاد توفره لهما، خاصة حركة العدل والمساواة التى أعقبت اتفاق أبوجا 2006. قيادة حركة العدل تعلم أنها تتمركز في مدينة أبشي وتنطلق من هناك فى عملياتها القتالية ضد الحكومة السودانية وتجد الدعم اللوجستي من تشاد وليبيا القذافي . والسيد مناوي كان على علم هو الآخر - أيام كان مساعداً للرئيس السوداني - فى الخرطوم عقب توقيعه اتفاق أبوجا مقدار الدعم التشادي للعدل والمساواة والتداعيات الأمنية البالغة التى وصلت إليها الأمور بين البلدين. وحتى إذا ما لم يكن مناوي وجبريل يعلمان أو أن هزائمهم المتكررة أنستهم، أو أن وجودهم المهين فى كمبالا أحدث خللاً فى ذاكرتهم، فإن من المستغرب أن يتناسيا كيف أغلقت تشاد أبوابها فى وجوههم منذ العام 2009 وكيف أضطر خليل إبراهيم للبحث عن ملجأ فى طرابلس، بل إن توقيع البروتوكول السوداني التشادي ولما كانت له من أهمية شغل الدنيا وقتها واعتبر أفضل نموذج لحل الخلافات الثنائية بين دولتين جارتين. إذن، من المستحيل أن يجهل جبريل أو مناوي هذه الحقائق، ولهذا فإن السؤال هو: ما الجديد الذي جعلهما يبدون بكل هذا القدر من الجهل المريع؟ الواقع إن الأمر لا يخرج عن احتمالين، إما أنهما وبفعل الضربات المتكررة للجيش السوداني لهم يبحثان عن ذريعة بغية تعليق شماعة هزائم عليها وهذا أمر غير مجدي فالهزيمة هي الهزيمة؛ وإما أنهما يستصرخان كمبالا -بطريقة أو بأخرى- لتدخل بجانبهما فى الصراع تحت ذريعة أن السودان هو الآخر يتحالف مع تشاد ضدهما. وفى الحالتين فإن الأمر بدا على جانب كبير من السذاجة السياسية إذ أنه وحتى لو لم يكن هناك برتوكول أمني بين الدولتين برعاية إقليمية ودولية مشجعة؛ فإن من حق الحكومة السودانية وهي تمارس سيادتها الوطنية أن تدير شأنها الأمني على الحدود بالطريقة التى تراها مناسبة. من المستغرب جداً أن الحركات المسلحة التى تستعين بإسرائيل وليبيا القذافي وكمبالا ودولة جنوب السودان تطالب بخروج القوات التشادية من الحدود! يبدو أن الوجود التشادي يمس السيادة الوطنية للحركات الدارفورية المسلحة!!