في الأنباء الصادرة أمس أن مبعوث الأممالمتحدة للسودان وجنوب السودان هايلي منقريوس أبلغ الأمين العام للمنظمة الدولية موافقة الحكومة في الخرطوم وقيادة قطاع الشمال على البدء في إجراء مباحثات مباشرة بينهما. في الجولة المقبلة ستجد الخرطوم أنها تتفاوض في جانب ووجه ورؤية لهذه المفاوضات مع التأريخ إذ أن الطرف الذي حددته الأممالمتحدة في قرار مجلس الأمن الذي سيقابل الحكومة في هذه المباحثات هو قطاع في الحركة التي خرجت بعد يوليو 2011م من السودان حيث كان في ذاك الماضي قطاعات عدة للحركة الشعبية قسمت بها السودان كله بإعتبارها حركة سودانية. والغريب أن قسمة وقيادات قطاع الشمال في الحركة الشعبية قبل استقلالها ليست هي القطاعات الحالية إذ المعلوم أن قطاع الشمال عند الحركة الشعبية لم يكن يشمل منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وهي المناطق المهمشة التي كانت إدارتها لدي الحركة الشعبية في يد القيادية في الحركة أن إيتو ولم تكونا تتبعان قيادة قطاع الشمال بل القيادة في يد السيدة التي في جوبا. لكن اليوم ستجلس حول مائدة التفاوض مع الحكومة قيادات أخرى. هذه القيادات لم تكن تمثل المنطقتين في الحركة الشعبية كما أنها حالياً لا تمثل بصورة واضحة مواطني المنطقتين من خارج الحركة الشعبية. بيد أن التفاوض من قبل الحكومة لا بد أن يقوم على المضي في التفاوض مع القطاع بالشكل الذي وجد به غير مسألة واحدة وهي وجود مفاوضين من خارج المنطقتين تماماً والأبرز في هذا المقام هو السيد ياسر سعيد عرمان وهو من منطقة الجزيرة بوسط السودان. وإن كان القائد عبد العزيز الحلو من أصول تعود إلي دارفور (قبيلة المساليت) إلا أنه من مواليد جنوب كردفان حيث عاش فيها وأصبح من مواطنيها. سيكون القائد عبد العزيز الحلو قادراً على أن ينطق بلسان أبناء من جنوب كردفان بيد أن هذا لا يتحقق لعرمان وهو كما كان في الحركة الشعبية من قبل والتي وصلها من الحزب الشيوعي سيكون معبراً عن الشيوعي وخطه واليسار وقوى (اليسار الأمريكي الجديد)) بأكثر منه تعبيراً عن مواطنين ليس بينه وبينهم نسب. الحكومة السودانية لن تجد بدأ من التفاوض مع قطاع الشمال وعندها ستحاور التاريخ إذ ستقوم المفاوضات على مقررات وإتفاقية سلفت ومضت وخرج بها ومن السودان من تفاوضوا حولها ولكن الإلتزام بالعهد والمواثيق المتكوبة ومن بعد هذا الامتثال للقرارات الدولية والمتمثلة في قرار مجلس الأمن الدولي والإتحاد الأفريقي سيجعل هذا الأمر ملزماً للسودان. كما أن المصفوفة والتي حظيت بإنفاذ سريع وقوى تحتم أن يتم هذا على النسق الذي تم به وبمسمياته. بيد أن على قطاع الشمال مسؤولية أن يعني حدود هذه المفوضات إذ أنها في المقام الأول لا تعني مفاوضة المعارضة المتبقية من الحركة الشعبية ولا مقام فيها لما يسمي بالجبهة الثورية ولا يمكن أن تتسع لقضايا ما يسمونه ((الهامش)) وعلى القطاع أن يبلغ الذين عدون أوراقاً خارج المقرر أن يوفروا جهدهم في هذا المجال لمناضلي ((اليسار الأمريكي)) خاصة من أبناء المناصير الذين يعطفون على ((برامج)) أحلام ليس لها مكان وليس من حديث عن قضايا غير المنطقتين ومع غير أهل السودان. متطلبات التفاوض قبل ان تجلس الحكومة الي طاولة التفاوض مع قطاع الشمال فإن عليها أداء بعض المقررات السابقة للتفاوض لا سيما وإنها أقبلت عليها في ظل ظرف أفضل من فترة قليلة سابقة ومناخ يلزم ان يكون البحث عن السلام واسعا ومتسعا ما تم مع الجنوب يلزم ان يكمل مع قطاع الشمال. وللحكومة السودانية تجربة تفاوض مع القطاع وما كان رفض الذي تم في اتفاقية نافع عقار مرفوضا لذاته بل لأسباب متعلقة ببعض البنود ومنهج التمثيل في المفاوضات وحدود الصلاحيات. بداية تحتاج المشورة الشعبية في المنطقتين الي ان ترجئ حتي ينتهي اجل التفاوض إذ ان هذه المشورة هي واحة من أهم مقررات نيفاشا التي سيقوم عليها التفاوض مع قطاع الشمال. والأمر الثاني ان قرارات سياسية يمكن ان تكون مناسبة لتهيئة مناخ يؤدي الي نتائج طيبة وعلي رأسها التيسير علي قوي سياسية خاصة من كان في الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب ولم يجد مقاما مع القطاع أو لتأسيس وضع مطمئن للمفاوضين الجدد فإن خطوات من مثل إعلان عفو عام وشامل عن حملة السلاح مما يترتب عليه أيضاً إسقاط الاتهامات ووقف الإجراءات في حق عدد من قيادات القطاع سيكون مهما ومفيدا. وما توافر عندي من معلومات يقول انه ربما لا يخلو خطاب السيد رئيس الجمهورية أمام البرلمان في فاتحة دورته الجديدة من قرار كهذا. ومن المؤكد انه سيسبق هذا اختيار وتعيين رئيس جديد لوفد التفاوض إذ ان العبء الأكاديمي الجديد لرئيس الوفد السابق الدكتور كمال عبيد ربما لا يمكنه من الاستمرار. وإبداء مرونة والإشارة لقضايا قبل ان تبدأ المفاوضات سيكون عاملا مساعدا خاصة إذ توفر للحكومة ان تعلن عن استعدادها شمول قوات وإفراد وكافة المنسوبين للحركة الشعبية في المنطقتين من إجراءات الدمج والاستيعاب في القوات المسلحة و القوات الأخرى والخدمة المدنية رغم ما في هذا من إشكالات علي رأسها ان الحركة الشعبية بدأت في الفترة السابقة في إعداد قوائم (منفوخة) بأعداد من مناضلين (ملحقين) بهدف الحصول علي وظائف. مناخ التفاوض المناخ السياسي العام في البلاد خاصة بعد المصفوفة والتزام جنوب السودان سيكون مهيئا تماما عدا بعض التحركات من الحركة الشعبية الأم و((الوليد)) في السودان والتي تمثلت في عمليات تشوين وإمداد ثم عمليات تنقلات وتحركات بدت فيها سيارات تجوب مناطق من دارفور والي جنوب كردفان وتبعها في النيل الأزرق محاولة لخطاب من الحركة وتحركات موجهة الي قبائل تحمل وعودا بضمهم الي الوفد المفاوض عن الحركة الشعبية ويرمي هذا الي دعم موقف الحركة التفاوضي وايضا موقفها بعد مرحلة التفاوض. محاولات العمل العسكري السابق للتفاوض لن تكون أمرا مجديا في هذه الحالة خاصة وان مناخ السلام مع الجنوب والحدود التي أغلقت ستغلق معها فرص الإمداد والتشوين وهذا المناخ كاف للوصول الي فصل الخريف وهو ميقات سيؤمن منطقة واسعة الي قرب نهاية العام الحالي. بيد ان الذي تم وخاصة في مجال وقف العدائيات يعتبر كافيا للدخول في المفاوضات علي الرغم من عدم توافر قناعة كبيرة بالإجراءات التي تمت علي مستوي المراسلات بين الحكومة والحركة الشعبية ودولة الجنوب والتي تمثلت في خطاب من الرئيس سلفاكير في 11/6 /2011 بفك الارتباط مع الحركة الشعبية و أعقبها خطاب للحكومة يحمل مضمون القرار الصادر عن رئيس هيئة اركان الجيش الشعبي بفك الارتباط مع قطاع الشمال واتبع بخطاب من رئيس وفد حكومة الجنوب في المفاوضات السيد باقان أموم. بيد أن هذا كله تم تجاوزه بإجراءات المناطق منزوعة السلاح والتي تم التأكيد وتم التنفيذ في المنطقة المزوعة السلاح بحدود عشرة كيلومترات في كل بلد وأتبع هذا بمنطقة تمتد إلي أربعين كيلومترا بعد العشرة لا توجد فيها قوات كبيرة وقوات معارضة. وأضيف إليها الموافقة علي طلب السودان بتشكيل لجنة مراقبة في إيواء أية قوة متمردة في كلا البلدين أياً كان كموقعها وها ما وافقت عليه حكومة الجنوب علي مضض وضغط من قوي دولية عديدة وسمعوا في هذا أن عدم الموافقة يتم رغبة في مواصلة هذا الفعل المرفوض في ظل السلام وهو دعم قوي معارضة ومقاتلة. وهذا الاتفاق يشمل حتي المعارضة السياسية والإعلامية لكل دولة. ولجنة المراقبة المتفق عليها بدأت فعلياً وعملها وتكونت من الطرفين والوسطاء وتمركزت في كادوقلي ولها وسائل عملي بدأت في المراقبة بالطائرات وغيرها من الوسائل. هذه الخطوة تعني عملياً أن الارتباط بصورته العملية قد تحقق رغم البينات التي تقول بأن علاقة المودة وأننا (لن ننساكم) التي قيلت في عيد الاستقلال ستستمر ولكن لا بأس في السياسة من إغماض العين أحياناً وهذا ما تم كثيراً مع ليبيا في عهد القذافي والتي كانت تتوسط بين الحكومة ومعارضيها وترسل ما ترسل للمعارضين وكانت الخرطوم تعلم وطرابلس تعلم أنها تعلم وكانت القافلة تسير. ملحقات مرفوضة الذين خسروا من جزاء حسن الصلة مع الجنوب سيجدون مجالاً في العديد من القضايا بعضها له صله بها والآخر من قبل حفر(الخنادق) في الطريق القافل إذ ان ثمة حراكاً في الجانب الجنوبي يحدث الخطاء ليرمى بقضية أبيى في هذه الوقت بقصد التشتيت أو محاولة الكسب من الإرباك . تلقى الرئيس البشير مؤخرا رسالة من الوسيط الأفريقي أمبيكي يحث فيها السودان للمضي فى حل قضية ابيى وكان الرد مؤكد الحرص على حلها وأيضاً وضع النقط فوق الحروف كانت بها لكنها احتاجت للتأكيد وهى قضايا أبيى الحالية والمعقدة تكمن فى أربعة أشياء واحدة منها ليس من مشكلة فيها وهي إدارية أبيى والثانية التعجيل بتكوين الشرطة فى أبيى وان المنطقة خالية من القوات العسكرية وأكد السودان على موافقته من تشكيل الشرطة في المنطقة وفقاً للمعايير الدولية التي حددتها الأممالمتحدة وهى ان يكون عدد قوات الشرطة منسوبا لسكان الإقليم بمعدل شرطي لكل ((250)) مواطناً وهذه يغلق الباب أمام مزايدات كثيرة . والأمر الثالث هو تشكيل المجلس التشريعي للمنطقة وموقف الحكومة واضح في ان تكون القسمة متساوية في عدد أعضاء المجلس وانه لايجوز ان يشترط الجنوب على السودان نوعية وإنما مواطنيه الذين سيختارهم أعضاء في أبيى . أسس حل أبيى واضحة والموقف منها واضح لا سبيل معه لتجيير المسالة لتتزامن مع الذي سيفعله اويقوم به قطاع الشمال في المفاوضات . تدخل الحكومة السودانية مفاوضاتها مع قطاع الشمال وهى تستند الي سجل قديم متجدد يؤكد أنها تميل الي التفاوض والاتفاق وتتناثر هذه الأيام الأخبار من الدوحة ومن وزارة الدفاع بالتوصل باتفاق مع العديد من الأطراف وعماد هذه المصفوفة التي صبرت فيها الحكومة على مفاوضات مع الجنوب وسلسلة من المماحكات والتأجيل والتراجع والعودة الي النقاط السابقة ظلة معها متمسكة بمواقفها الأساسية التي أعلنتها وتحققت خاصة في مجال الترتيبات الأمنية وقد صبرت وظفرت . ومن قبل صبرت على قرنق صبراً جميلاً حتى دخل القصر الجمهوري وفعلة مع عقار حتى ابتنى ((عقارا)) مع أهله ونصب والياً عليهم . كراسي الحكم في السودان تتسع وقلوب أهل السودان لاتعرق حقداً يغلقها . نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 25/3/2013م