رصد: محمد حمدان – الهضيبي ياسين تضج الخرطوم هذه الأيام بالأنباء عن قرب فتح باب التفاوض مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية، حيث نظمت بالأمس فعاليتان سياسيتان، ورغم اختلاف الجهات التي قامت بهما، إلا أنهما اتفقتا في موضوع واحد وهو ((التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال)) فقد نظمت الفعالية الأولي من قبل جامعة المغتربين تحت عنوان ((قضية منطقة جبال النوبة التحديات والحلول)) بجامعة المغتربين، فيما نظم الفعالية الأخرى المركز العالمي للدراسات الأفريقية بمقره بالعمارات صباح أمس بعنوان ((التفاوض مع قطاع الشمال وتأثيره على الأوضاع الداخلية)). تلك الفعاليات أتت بعد أن أعلنت الحكومة قبولها بالتفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، ورغم تباين آراء الخبراء والمحللين في جدوى التفاوض من عدمه إلا أن هنالك شبه إجماع عن ضرورة إبتدار تفاوض يضع حداً لحالة الاحتراب الراهنة، في وقت يطالب فيه البعض بالتفاوض مع أبناء المنطقتين وليس الحركة الشعبية قطاع الشمال، فيما ينادي آخرون بالتفاوض مع قطاع الشمال لأنه جزء من المعادلة السياسية ولا يمكن تجاوزه في الوصول لأي تسوية سياسية. دوافع التفاوض:- في الندوة الأولي التي كانت بجامعة المغتربين جدد والي ولاية جنوب كردفان مولانا/ أحمد هارون التأكيد على استعداد الحكومة في التفاوض والجلوس مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بالرغم من تحفظهم على بعض الملاحظات بحسب حديثه، وأشار هارون إلي أن قيادات قطاع الشمال يفتقدون الرؤية والبرنامج السياسي مما انعكس بصورة مباشرة في جولة المفاوضات الماضية، مشيراً إلى أن مسودة قطاع الشمال أتت فارغة من أي حديث يتعلق بقضايا أبناء جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقال إن ما ورد يصب في قضايا أهل السودان ومناطقه المختلفة، وحذر قيادات قطاع الشمال من الأحلام ومحاولة تكرار تجربة نيفاشا والسعي إلى تنفيذ الهدف الخفي بأن يكون هناك تقرير مصير على صعيد ولاية جوب كردفان ومنطقة جنوب كردفان. ودمغ هارون كلا من عبد العزيز الحلو وياسر عرمان بممارسة التضليل الدائم على منسوبيهم، بحسب حديثه، وأضاف: هذا الأمر لم يحدث ما بعد انفصال جنوب السودان بل كان تخطيطاً منذ وقت بعيد لتبرير حالة الفشل التي صاحبت مساعيهم أثناء مفاوضات اتفاقية السلام بضاحية نيفاشا، مبرهناً على ما صرحت به هيلدا جونسون بعد قيادتها للوساطة الدولية في توقيع الاتفاقية ومحاولتها إقناع د. جون قرنق بصعوبة ضم جنوب كردفان لتصبح ضمن خارطة الاستفتاء السكاني لتقرير المصير لجنوب السودان، وهو على حسب قوله أدي إلى فشل المخطط، ليتم تغييره فيما بعد بالمشورة الشعبية التي أوضح أنها سعت لتحقيق قدر كبير من تنفيذ مستوي العدالة الاجتماعية بالمنطقة، معترفاً بأن ولايته لديها مشكلة تتطلب الحل، وأردف أن الوصفة السحرية لعلاج المرض تكمن في التوافق حول أبجديات وطنية تبدأ من تحقيق التنمية واستصحاب الموروث الثقافي والتنوع الاجتماعي بجنوب كردفان خلال جلسات التفاوض بناء على ما جاء به برتكول المنطقتين في اتفاقية السلام، نافياً أن تكون قضية خسارة عبد العزيز الحلو لمنصب والي الولاية في الانتخابات الماضية وراء التمرد وحمل السلاح واضعاً في مقارنة لذات المشهد الذي حدث مع مالك عقار، وعزا ما حدث لما اسماه اتصال الأمر بالصراع الإثني والعقائدي الذي ما زال متواجداً داخل الحركة الشعبية منذ عهد أبناء تلك المناطق إلى الحركة لابد أن يقوم على قناعة فردية وليس وفقاً لانتماءات جغرافية أو إثنية، وهو ما خلق شيئاً من التمييز الذي بدأت ملامحه تظهر مستقبلاً عندما طالب بعض قادة جبال النوبة بالتعرف على حقوقهم كشرط لانضمامهم لقيادة هذه الحركة، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية في جنوب كردفان وقادتها هم من كانوا وراء التحاق أبناء المنطقة بالجيش الشعبي والحركة، مبيناً أنه لم يكن هناك ارتباط يربط جبال النوبة البتة بالجنوب سوي الشريط الحدودي والتبادل التجاري. ودعا هارون إلى ضرورة الإجابة على التساؤلات التي وصفها بالحرجة حال رغبت جميع أطراف التفاوض في الحوار والتوصل لحلول تقي شر الحرب، مؤكداً جدية الحكومة في السلام والبحث عن أدواته ووضع معالجات سياسية واجتماعية في المنطقتين والسعي إلى ترتيب البيت الداخلي لجولة المفاوضات القادمة واستقلال ما اسماه بموقف الضعف وما يعيش فيه قادة قطاع الشمال من فقدان للرؤية والبرنامج السياسي لأصالح قيادة زمام المبادرة من قبل الحكومة وتوظيفها بالكيفية المطلوبة، مؤكداً أن توقيع المصفوفة الأخيرة من شأنه أن يسارع من دفع عجلة التفاوض والتوصل لاتفاق سلمي مع قطاع الشمال. تقاسم التنمية:- في المقابل صب عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني واحد أبناء جبال النوبة إبراهيم نايل إيدام جام غضبه على قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال نافياً أي توجه لأبناء جبال النوبة وولاية جنوب كردفان في تقرير مصيرهم، وحمل ايدام الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان تردي أوضاع الولاية وما ألت إليه من أزمات أدت إلى الحرب الأهلية، وعزا ذلك إلى انعدام التقسيم العادل لحصص التنمية والتي أعطت بعد استقلال البلاد وسودنة الوظائف 2 فقط من أبناء الولاية، وأعتبر ايدام أن مفتاح حل جميع المشكلات يأتي في إطار تلمس حقيقي لتقاسم التنمية في السودان بالإضافة إلى تواجد أبناء الولاية في كافة مؤسسات الدولة التنفيذية والدستورية. ثلاث احتمالات:- وفي الندوة التي نظمها المركز العالمي للدراسات الأفريقية عن التفاوض مع قطاع الشمال قال فهيا المحلل السياسي د. عادل عبد العزيز متسائلاً عن كيفية الحوار مع عقار والحلو في ظل ما أسماه بالقضايا الجنائية والبلاغات المقدمة ضدهم، بجانب مصير أبناء النوبة والنيل الأزرق الآخرين غير المنتمين لقطاع الشمال، مشيراً إلى إن تلك تعد تعقيدات للأزمة لابد من الإجابة عليها، وأبدي عادل استغرابه من قبول الحكومة للتفاوض مع قطاع الشمال دون تفصيل في حيثيات دوافع القبول، بيد انه عاد وقال إن موقف الحكومة لا يخلوا من ثلاثة احتمالات، مبيناً إن الحكومة إذا رغبت في تحقيق السلام وإنهاء الحرب والاعتراف بالحركة الشعبية فان التفاوض عبر ذلك المدخل يعد خطأ لجهة أن المدخل الصحيح يكمن في التفريق بين الحركة الشعبية وقيادات النوبة بمختلف توجهاتهم بما فيهم عقار والحلو للوصول إلى حل سياسي بحسب زعمه، إلا أن العديد من المشاركين انتقدوا حديث الرجل لجهة أن التفاوض مع قطاع الشمال يمثل جسماً له وضعيته ومؤيديه من أبناء المنطقتين وله وجود فاعل كما أن اجتراح طريق آخر للتفاوض مع أبناء المنطقتين دون جسم موحد يفتح الباب واسعاً ويثير تساؤلات عدة عمن يفاوض ومدي شرعية من يفاوضونهم من أبناء المنطقة، بينما تعو الاحتمالية الثانية بحسب حديثه إلى ضغوط واجهتها الحكومة من قبل المجتمع الدولي لا سما القرار 2046، فيما أرجع الاحتمال الثالث إلى أن الحكومة واجهت ضغوطاً من قبل تيار الإصلاح في داخلها الداعي لضرورة وقف الحرب والفساد، ويشير إلى أن تيار الإصلاح لا يتوقف دون الوصول إلى مبتغاه حتى وإن فاوضت الحكومة قطاع الشمال.