كأنما هنالك من ظلوا ينتظرون هدوء جبهات السودان الشرقية والغربية والجنوبية، ليثروا في وجهه وفي عز عملته السلمية وديمقراطيته الوليدة جبهة شمالية، وبالأحرى شمالية شرقية ونعني بها جبهة مثلث حلايب ومثلث حلايب – كما يعرف القاصي والداني – ميراث سياسي ورثه كل من السودان ومصر من الاستعمار شانه شأن نزعات حدودية لا مصر لها ورثتها بلدنا القارة الإفريقية من الاستعمار الأوروبي . غير أن القادة الأفارقة ومنذ وقت مبكر فطنوا لهذا الأمر ومن ثم اتخذوا قراراً اجتماعياً محترماً بعدم إثارة العلاقات بالحدود الموروثة أو جعلها قضية مستديمة تهدد الأمن القومي الإفريقي وتجعل بلدان القارة باستمرار في حالة تنازع متواصل بشان حدود بلدانهم. وقد تلاحظ أن هنالك أكاديميين مصرين وأساتذة جامعات ظلوا ومنذ حوالي ثلاثة أعوام يسعون سعياً حثسثاً لتعديل خريطة بلادهم بحيث تضم مثلث حلايب، وقد نشرت صحيفة الأهرام المصرية – وهي بهذا الصدد بمثابة شاهد من أهم أهلها – مقالاً مطولاً في هذا الصدد أواخر ديسمبر 2009م. ولعل أهم مأخذ على هذا السلوك المؤسف هنا هو أن مجرد السعي لتعديل خريطة بلد على حساب بلد آخر جار، معناه أن الجهة الساعية للتعديل تقر مسبقاً بأن الخريطة المتعارف عليها والموجودة أصلا هي الأصل أو على الأقل هي الخريطة الموروثة ومن ثم فإن من الواجب احترامها إلى حين توصل البلدين – سواء عبر التحكيم أو عبر تسوية سياسية أو تفاهم مشترك متراضي عليه لصيغة مناسبة إذ من البديهي أن خرائط الدول لا يجري تعديلها (بالمزاج) والشخصي أو بعمل منفرد أحادي الجانب وإلا اختلت المعادلات السياسية والأمنية في العالم كله. نحن لا ننكر وجود نزاع حول المثلث ولا ننكر انه يتطلب حلاً، ونضيف إلى ذلك أن الجانب المصري اعتمد أسلوب الأمر الواقع على الأرض بإقامته لمنشآت (حديثة) ومحاولته تجنيس سكان المنطقة مع لأنهم من قبائل البشاريين وهم فرع من البجا الذين يشكلون احدي أهم قبائل شرق السودان، ولربما احتمل السودان كل ذلك وتسامح فيه أملاً في حل مستقبلي بالرضاء والتفاهم، ولربما تطلع السودان جعل المنطقة منطقة تكامل وتلاقي بين الشعبين اللذين تربطهما علاقات إستراتيجية مهمة، ولكن هذا كله لا يبرر للجانب المصري سواء بعلم الحكومة المصرية أو بعدم علمها لتغيير الواقع على الأطلس تماشياً مع عملية تغيير على الأرض التي تمت بالقوى وبالمجافاة للأعراف الدولية. أن من المؤكد أن هذه جبة جديدة (طازجة) يراد فتحها بعد انغلاق الجبهات السابقة ولن يفوت على فطنة أحد أن وراء هذا السلوك (عدو) مشترك، وهو ما يقتضي أن يلتفت الجانب المصري إلى هذا الأمر ويصنع في حسبانه أن السودانيين ورغماً عن كل شيء من المستحيل أن يكونوا بهذه السذاجة وهذه السطحية والغباء!!