من المؤكد أن أي مواطن أو أي جهة مصرية – في هذا الوقت بالذات – تبدأ بإثارة قلاقل وخلافات بين السودان ومصر انما تخدم بالدرجة الأولى أعداء المنطقة المعروفين بداهة لدى الجميع وتمنحهم هدية مجانية لا تقدر بثمن - وقد ظلت الحكومة السودانية - طوال الخمس عقود المنصرمة منذ استقلال السودان وجلاء الاستعمار البريطاني عنه تضرب صفحاً عن اثارة اي مشاكل مع الجارة مصر بشأن مثلث حلايب الواقع في أقصى الشمال الشرقي من السودان، اذ على الرغم من أن طوال عقود خلت، حتى قبل خروج الاستعمار ظل ضمن خريطة السودان الا أن الجانب المصري – بوسائل مختلفة – وفي توقيتات غريبة ومختلفة ايضاً – ظل بصورة أو بأخرى يثير قضية هذا المثلث للدرجة التي بدات تساور الشكوك بعض المهتمين من الجانب السوداني حول طبيعة الدوافع السياسية التي تحرك البعض في القاهرة لاثارة الموضوع (في أوقات معينة)!! وقد رأينا كيف اشارت صحيفة الاهرام المصرية قبل حوالي شهر هذا الموضوع، كما رأينا كيف أثير الموضوع في عملية الاحصاء السكاني قبل حوالي عامين بل ويؤسف المرء أن يرى (تحركات مريبة) يتبناها ظاهرياً أساتذة جامعات أو أكاديميين تسعى (لتغيير الخريطة)، ومن المفروغ منه في هذا الصدد أن هؤلاء الذين يتحركون من الجانب المصري لتغيير الخريطة بحيث ينتزعون منها المثلث ويضمونه الى خريطة مصر يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذا العمل ليس شائناً ويقع ضمن نطاق (العيب السياسي والأخلاقي) لكونه (يختلس) حقاً ظاهراً (في الخفاء)، لأن الحق إن كان حقاً مصرياً خالصاً لا نزاع حوله فهو لا يحتاج الى (عمل خفي) وتحركات مريبة، ومخادعات لقنوات فضائية ومكاتبات سرية لجهات دولية!! كما أن من المفروغ منه تماماً أن منظمة الوحدة الافريقية التي تحولت قبل سنوات الى الاتحاد الافريقي لديها قرار مجمع عليه ولا خلاف حوله البتة حول حدود البلدان الافريقية، اذ أن القرار يقضي ببقاء الحال على ما هو عليه دون أي مساس مع كفالة الحق للأطراف في ايجاد المعالجات الملائمة سواء عن طريق التحكيم أو الاتفاق السياسي بالتراضي. وكلنا يعلم والجانب المصري يعلم أن قضية مثلث حلايب لم يتم حلها بعد لا عبر تحكيم ولا عبر تراضي بين البلدين ومن ثم فإن (الأخلاق السياسية القويمة) تستلزم بقاء الوضع على ما هو عليه سواء على الأرض أو على الخرائط الى حين حسمه اذ لا يدري أحد ما هي النتيجة المرتجاة من اثارة نزاع كهذا بين بلدين جارين أمنهما القومي مشترك وواحد؟ ولا يدري احد طبيعة الهدف الذي ترجوه دولة مثل مصر تحظى باحترام اقليمي كونها قائدة للفعل السياسي العربي حين تدع تحركاً مريباً ومؤسفاً كهذا يضيف عبئاً أمنياً جديداً للمنطقة ويضعها على حافة شفير نيران شبعت منها المنطقة!!