بقلم/ فريق أول ركن/ حسن يحيى محمد أحمد تمتد منطقة الحزام الرعوي التي تفصل بين شمال السودان وجنوبه من الكرمك شرقاً مروراً بجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وجنوب دارفور حتى غرب أفريقيا غرباً. تقع هذه المنطقة على طول الحدود المشتركة مع دولة الجنوب التي يبلغ طولها أكثر من (2175) كيلو متراً. هذه المنطقة غنية بثرواتها المتعددة من بترول ومعادن أخرى كثيرة وأراضي واسعة خصبة صالحة للزراعة، وهي غنية بالمياه والكلأ، وبها ثروة حيوانية كبيرة ومعظم انتاج الصمغ العربي يأتي من هذه المنطقة. منطقة الحزام الرعوي تقطنها قبائل التماس (شمالية وجنوبية)، ويبلغ عدد سكان هذه المنطقة (14) مليون نسمة. تعتبر هذه المنطقة من أكثر مناطق السودان إنتاجاً. لقد ظلت هذه المنطقة نموذجاً للتعايش السلمي بين القبائل العربية والأفريقية لفترة طويلة من الزمن، حيث اختلطت بها الأنساب عبر المصاهرة، كما اختلطت بالدم والمال والتجارة الحدودية ولعبت الإدارة الأهلية دوراً كبيراً في حالة التعايش السلمي بين كل قبائل المنطقة مما قاد لبسط الأمن والاستقرار على طول الحدود المشتركة. كانت الإدارة الأهلية تسيطر سيطرة تامة على كل الاحتكاكات اليومية التي تحدث بين الرعاة والمزارعين عن طريق الأعراف والعادات والتقاليد المحلية. كان دور السلطات المحلية محدوداً للغاية في حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة. قبائل التماس هي التي حقق السلام الاجتماعي الذي يعتبر أكثر فعالية من السلام السياسي، لان السلام الاجتماعي يصنعه المواطنون أنفسهم عبر ممارستهم لحياتهم اليومية وإحساسهم بحاجة كل واحد منهم لأخيه في الطرف الآخر لأن المصالح المشتركة هي التي تربطهم جميعاً. أما السلام السياسي الذي تحققه الاتفاقيات السياسية مثل اتفاقية نيفاشا، فهو سلام فوقي لا يرقي لمرحلة تطبيع العلاقات على مستوي المواطنين. من الزعامات التاريخية التي ساعدت في حالة التعايش السلمي بين قبائل التماس، الناظر بابو نمر زعيم قبيلة المسيرية والسلطان دينق مجوك زعيم قبيلة دينكا نقوك، حيث كانت تربطهما علاقات صداقة قوية وكانا لا يفترقان أبداً. حالة التعايش السلمي والسلام الاجتماعي بين قبائل المنطقة عكسها فوز السلطان دينق مجوك في انتخابات المجلس الريفي للمسيرية في عام 1962م على صديقه الناظر بابو نمر بالرغم من أن معظم سكان المنطقة من المسيرية، وهذا يمثل قمة الديمقراطية لأن القبيلة لم تلعب دوراً في ذلك الفوز كما يجري اليوم، وهذا يعني ان الزعامات القبلية والأهلية قد سبقت سياسيي هذا الزمان الذين ذكوا نيران العنصرية والقبلية. مؤتمرات الإدارة الأهلية التي كانت تعقدها هذه الزعامات الأهلية مثل مؤتمر أبيي لعبت هذه المؤتمرات دوراً كبيراً في بسط الأمن والاستقرار بين قبائل التماس على عكس مؤتمرات الصلح القبلية بين فروع القبيلة الواحدة التي يعقدها سياسيو هذا الزمان، حيث إن الأوضاع عادة ما تنفجر قبل أن يجف مداد الحبر الذي كتبت به الاتفاقية، وقبل مغادرة المؤتمرين لمكان المؤتمر، والأمثلة هنا كثيرة وآخرها أزمة جبل ع أمر. مرحلة السلام والتجانس والانسجام الاجتماعي التي عاشتها قبائل التماس عكسها السلطان دينق مجوك بقوله: (الشماليين للجنوبيين ذي قش وسط قزاز، كان شلت القش القزاز بتكسر)؟ مؤخراً طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة عن اجتماع عقد بين قيادات سياسية وأهلية وقبلية بين دولتي السودان من أبناء قبائل التماس وقعوا في ذلك الاجتماع على وثيقة عهد وميثاق من أجل التعايش السلمي. لا شك أن مثل هذه اللقاءات مطلوبة وهي ضرورية ولكن يجب أن لا تكون اجتماعات موسمية والمطلوب أن تكون مثل هذه اللقاءات دورية وفي فترات زمنية متقاربة، وأن تكون لها آلية دائمة تعكف على دراسة المشاكل اليومية وتقوم بمعالجتها قبل أن تتحول إلي ظاهرة يؤثر انفجارها على استقرار كل المنطقة. ذاك هو الأسلوب الذي كان يطبقه الناظر بابو نمر والسطان دينق مجوك وهو أسلوب ثبت نجاحه في حالة التعايش السلمي التي كانت تعيشها قبائل التماس تحت قيادة هذه الزعامات الأهلية التاريخية. خلاصة القول قبائل التماس تلعب دوراً أساسياً في تحقيق السلام الاجتماعي على طول الحدود المشتركة وتساعد بصورة كبيرة في تنفيذ كل اتفاقيات التعاون المشتركة التي تم توقيعها مؤخراً. المطلوب الآن هو إعطاء قبائل التماس أهمية كبرى من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة الحدودية المشتركة. ختاماً تبرز أهمية إنشاء مفوضية خاصة بالتعايش السلمي بين قبائل التماس تكون كل عضويتها ورئاستها من الزعامات القبلية والأهلية بالمنطقة، وأن يتم تمثيل السلطات المحلية في هذه المفوضية من أجل التنسيق، وان يتم دعم هذه المفوضية دعماً كبيراً وإعطائها كل السلطات والصلاحيات لبسط الأمن والاستقرار على طول الحدود المشتركة. وبالله التوفيق. نقلاً عن صحيفة اليوم التالي 15/4/2013م