مع أنها لا تنقصها المعلومات الكافية بل والزائدة عن الحاجة بشأن الأوضاع البالغة السوء التى خلفها هجوم الثورية على مناطق كردفان عامة من مذابح ومشانق وإعدامات أمام أعين الأقرباء والآباء والأبناء، إلا أن الأممالمتحدة ومع مضي ما يجاوز الأسبوعين على هذه الحادثة البالغة البشاعة لم تقترب من المنطقة ولم تفكر فيما يبدو بالوقوف على الأحوال فيها (وهي طازجة)؛ وهو أمر تفرضه القوانين الدولية ويفرضه النظام الأساسي لميثاق المنظمة الدولية برصد مثل هذه الجرائم والاعتداءات والحيلولة دون تمادي الجناة فيها. كما أن زيارة مسر ح الجريمة فى التوّ والحين وتوثيق ما جرى – بصرف النظر عن الإجراء العقابي الذي سيترتب على ذلك من عدمه – كان أمراً ضرورياً للغاية لإبراز دور المنظمة فى تعاملها مع الحروب والنزاعات من هذه الشاكلة. صحيح أن المنظمة الدولية ولطوال سنوات النزاع السوداني السوداني ظلت تتأمل فقط على الجانب الحكومى وحده، ما من قرار تصدره إلا وفيه إدانة صريحة للحكومة السودانية وما من حالات موت حدثت إلا وكان الجاني فيه الحكومة, هذه المرة جرت وقائع جميعها بمبادرة واضحة من جانب المتمردين، ولم تحاول الأممالمتحدة حتى ولو على سبيل المجاملة والتظاهر بالعدل وان تتحرك لوقف المجازر وقطع أعواد المشانق المنصوبة فى أبو كرشولا. ولهذا كان من الطبيعي أن توجه الخارجية السودانية لوماً مباشراً للأمم المتحدة فى اللقاء الذى جمع وزير الخارجية السوداني على كرتي بوكيل الأمين العام للشئون الإنسانية (فاليري أموس) بالعاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضي. الوزير كرتي قال إن الأممالمتحدة تتساهل مع المتمردين فى كل مواقفهم سواء فى إعتداءاتهم على المدنيين أو منعهم إيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق المتضررة. المسئولة لم تجد ما تدافع به عن موقف منظمتها وإن بدت غير راضية بالفعل بطريقة تعاطي المنظمة الدولية مع الأمر فى مجمله. والواقع إن هنا فقط وفى هذه النقطة على وجه الخصوص تكمن الأزمة الحقيقية بين السودان والأممالمتحدة، فالأحداث تقع وتلقي بظلال سالبة على مجمل الوضع فى السودان ولكن الأممالمتحدة تظل على ذات موقفا الأول. الحكومة السودانية عليها أن تفعل وأن تفعل. وإذا تم عرض الأمر على مجلس الأمن تجد الأخير قد تغاضى تماماً عن توجيه أي لوم أو إدانة على المتمردين. هذا الوضع بالطبع صار مألوفاً ومفروغاً من ديمومته، وهو وثيق الصلة بطبيعة تركيبة وهيكلة المنظمة الدولية ومجلس الأمن والأكثر سوءاً من ذلك وجود السيدة رايس هناك التى تخلط خلطاً مريعاً ما بين الأمن والسلم الدوليين وما بين مصالح بلادها الخاصة، بحيث يمكن أن تتدهور الأوضاع على الصعيد الدولي تماماً ويعم الدمار كافة الأرجاء دون أن يحرك ذلك واشنطن طالما أن مصالحها لم يمسها سوء، ولهذا فإن من غير المستبعد أن تحاول واشنطن حماية المتمردين من أن يلحق بهم الجيش السوداني هزيمة نكراء جراء اعتداءهم على أبو كرشولا وانتزاعهم إنتزاعاً من مناطق كاودا وجلد والمناطق التى ظنوا أنها أصبحت منصات دائمة لهم.