تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة تبادل الاتهامات بين السودان وتشاد، خاصة بعد إعلان انجمينا انتصارها على متمردي "اتحاد قوى المقاومة" في المعارك التي دارت أوائل الشهر الجاري بمنطقة أم دم شرق البلاد والذين اتهمت الحكومة السودانية بدعمهم فيما نفت الخرطوم ذلك. وتلا ذلك قام الطيران التشادي بشن غارات جوية متعددة على أهداف على عمق 60 كلم من الحدود مع تشاد داخل أراضي السودان، وهدد وزير الدفاع التشادي مجددا بدخول الأراضي السودانية لإحباط ما سماه مخططا يجري التحضير له من قبل متمردين. وردا على ذلك أعلنت وزارة الدفاع السودانية أنها ستسحق أي قوة تشادية تحاول اختراق الحدود السودانية، ونفت الخرطوم إيواءها أي تجمعات للمعارضة التشادية، متهمة إنجمينا باختلاق أوهام لنفي وجود معارضة في الداخل. وقد أثار صمت السودان وعدم رده على الغارات التشادية داخل أراضيه علامات استفهام وتساؤلات عن مغزى ومبررات عدم تصديه لتلك الهجمات، لكن محللين سياسيين عزوا ذلك إلى عدم رغبة الخرطوم في دخول مواجهة مع تشاد "ليس لها جدوى". هدر للطاقات والأموال فقد عزا المحلل السياسي السوداني والخبير في الدراسات الإستراتيجية حسن مكي صمت السودان على الغارات التشادية داخل أراضيه بعدم رغبته في الدخول مع تشاد في حرب ليس لها جدوى، تهدر الطاقات والأموال وتمدد أجل الصراع في دارفور، مؤكدا أن الخرطوم ليس لها مصلحة في ذلك. وأضاف في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت أن مشكلة المعارضة في تشاد هي خارج نطاق سيطرة إنجمينا تماما، في حين أن مشكلة دارفور هي خارج نطاق سيطرة الخرطوم جزئيا، مؤكدا أن المبادرة هي الآن بيد الحركات المسلحة في الجانبين. وأشار مكي إلى عدم وجود مشروع متكامل من حكومتي البلدين لحل الأزمات المتكررة بينهما. عوامل متداخلة من جهته قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير في الشؤون الأفريقية حمدي عبد الرحمن حسن إن كلا من تشاد والسودان يعانيان من أزمة سياسية خانقة تتمثل في مشكلة دارفور بالنسبة للخرطوم وتهديد المعارضة الساعية لإطاحة نظام الرئيس التشادي إدريس ديبي بالنسبة لإنجمينا. وأوضح حسن في اتصال هاتفي للجزيرة نت أنه لا يمكن النظر إلى الأزمة بين السودان وتشاد بمعزل عن السياق الداخلي والإقليمي والدولي والعوامل الأخرى مثل التداخل القبلي بين البلدين وغياب الأمن في الحدود، خاصة أن السودان دولة كبيرة جدا يصعب التحكم في حدودها، إضافة إلى وجود قوات دولية في شرق تشاد. ووصف الصراع بين تشاد والسودان بأنه صراع بالغ التعقيد، مشيرا إلى أن الدور الفرنسي في الصراع حاسم فباريس حريصة على الدفاع عن نظام ديبي في التشاد وليس من مصلحتها قيام نظام موال للخرطوم. كما أن الولاياتالمتحدة ليست بعيدة عن الصراع باعتبار أهمية المنطقة في الفكر الإستراتيجي الأميركي الجديد بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 والذي من أبرز أهدافه مقاومة خطر الإسلام السياسي والسيطرة على منطقة خليج غينيا الغنية بالنفط. وأعرب حسن عن اعتقاده بأن الأزمات ستستمر بين البلدين ما لم يتم التعامل مع جذور المشكلة في دارفور ومشكلة المعارضة التشادية، عبر التوصل إلى حل سياسي مبني على الحوار باعتبار أن الحل العسكري لن يحسم المشكلة.