أصبح الموت في دارفور معياراً لقياس أهمية الحدث، ودرجة الانفعال تحددها جغرافية الجريمة.. كلما كانت بعيدة عن عاصمة الولاية أو المركز وجدت التجاهل والإهمال، وكلما اقترب الحدث حيث مرقد الحكومة وبيتها الآمن هرع لمعالجته نفر من القيادات.. وفي دارفور حينما لا يتجاوز عدد ضحايا الحادثة الواحدة خمسة أفراد يعتبر الحدث ثانوياً وهامشاً... والنفس الواحدة التي ورد في القران أن من قتلها بغير حق كأنما قتل الناس جميعاً . أصبحت هناك لا قيمة لها.. وإلا كيف نفسر الإهمال والتجاهل والصمت تجاه الجناة في أحداث السريف بني حسين؟ حيث لم تحص السلطات – حتي اللحظة – عدد ضحايا النزاع، وبالقرب من نيالا نبشت الطيور الجارحة ودود الأرض والكلاب والضباع في لحم الإنسان، حيث قتل ما يربو علي (500) شخص في نزاع بين قبائل جنوب دارفور في الشهر الماضي، ولم يتوقف الموت حتي اللحظة. أما في نيالا فقد شهدت أحداث أثارتها مجموعة محسوبة علي قوات نظامية من (المستوعبين). أحداث نيالا أسبابها معلومة وأطرافها محددة، والحديث عن فوضي أو نزاع داخل القوات النظامية غبر صحيح.. والحديث عن نزاع بين الرزيقات والقوات النظامية عار من الصحة.. والحقيقة المريرة أن الذين يتم استيعابهم في أحدي القوات النظامية من المليشيات القبلية والحركات المسلحة يمثلون خطراًَ داهماً علي الأمن، وينبغي إعادة النظر اليوم قبل الغد في ما يسمي بالترتيبات الأمنية للمليشيات الدارفورية القبلية والسياسية، لأن الأفراد الذين يتم استيعابهم سواء كانوا ضباطاً أو ضباط سواء يظل ولاؤهم الأول للمليشيات التي جاءت بهم أو جاءوا هم علي ظهرها.. مثلهم ومليشيات عديدة عرفها السودان القديم كمليشيات "فاولينو ماتيب" وما فعلته في العاصمة الخرطوم ليس بعيداً عن الأذهان، ومليشيات "مني أركو مناوي" في أم درمان، ومليشيات القبائل العربية وما فعلته في الفاشر وما تفعله الآن في نيالا من فوضي ونهب وسلب. ما حدث عن منسوب للاحتياطي المركزي، ولكنه في الواقع جسم غريب علي الاحتياطي المركزي.. لأن الاحتياطي المركزي قوة نظامية منضبطة في سلوكها ويلتزم منسوبوها التراتيب الوظيفية.. هذا المنسوب (تشاجر) مع قوة من جهاز الأمن معنية بحفظ الأمن داخل مدينة نيالا ليتسبب في الأحداث التي راح ضحيتها عدد من الأفراد نحو (5) حسب بلاغات رسمية لحكومة جنوب دارفور وجرح آخرون. لكن المناخ الذي خلفته الأحداث فوضي في الأسواق واستباحة لأموال الناس ومكاتب المنظمات استغلتها جهات عديدة داخل مدينة نيالا درجت علي المنظمات استغلتها جهات عديدة داخل مدينة نيالا درجت علي انتهاز الفرص للنهب والكسب.. لتعيش نيالا ثاني أكبر مدينة في السودان بعد العاصمة الخرطوم من حيث عدد السكان.. فوضي عارمة.. وإعلان حظر التجول ليلاً وانتشار للقوات المسلحة في طرقات المدينة ليعود الهدوء لنيالا بعد يوم من الفوضى، ويقود وزير المالية وفدا من الخرطوم لتهدئة الخواطر وكبح جماع التفلت الذي حدث.. فهل انتهت الأحداث؟ أم لا يزال تحت الرماد وميض نار يخشي ان يكون لها ضرام؟. إن الواقع الذي تشهده دارفور الآن هو الفوضى (الخلاقة).. أما لماذا الفوضى؟ فغداً نجيب عليها. نقلا عن صحيفة المجهر السودانية 7/7/2013م