ما من شك أن ما حدث في منطقة جبل مرة باقليم دارفور بين قوات حفظ السلام (اليوناميد) وقوات المتمرد عبد الواحد محمد نور – مهما كانت طبيعة الوقائع وحقيقتها – أمر مثير للتساؤلات التي تصل الى حد الريبة. فقوات اليوناميد هي نفسها أحدى أهم عناصر الشهادة الايجابية عن استقرار الأوضاع في دارفور، وقد قدم قائدها السابق أواخر العام المنصرم شهادة بذلك أمام مجلس الأمن، وهذه القوات وعلى الرغم من أنها لا تتمتع بالقدر الكافي من التسليح والمعدات ووسائل النقل اللازمة الا أن ما هو بحوزتها، وما وصلها مؤخراً مطلع هذا العام كافي بالنظر الى القدر الكبير من الاستقرار في الاقليم لتقوم بمهمتها الموكلة اليها بصورة جيدة،وقد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء قبل أيام تصريحات عن الناطق باسم البعثة، نور الدين المازني ناشد خلالها القوات المتقاتلة في جبل مرة وجبل مون – وهي قوات ثبت قطعياً أنها تتبع لفصيل عبد الواحد – بأن تسمح لقوات اليوناميد، بالدخول الى المنطقة للقيام بعملية فصل بين المتقاتلين وايجاد قدر من الحماية للمدنيين الذين بدأوا موجة نزوح كاسحة جراء القتال الشرس الدائر بين قوات عبد الواحد، ومن المعروف ان القتال الدائر داخل فصيل عبد الواحد هو قتال سببه نزاع بالغ التعقيد بين القادة الميدانيين بشأن المفاوضات الجارية في الدوحة، لدرجة اتخاذ البعض لقرار بفصل قائد الحركة عبد الواحد من القيادة وتعيين قائد جديد في محله، وهو أمر جرى نفيه لاحقاً وقال أحد القادة أن القرار سيتم التداول حوله عند عقد المؤتمر العام للحركة قريباً. المهم ما دار في جبل مرة لم يكن أمراً صعباً على قوات اليوناميد – بما هو متاح لها من امكانات – احتواؤه، أو التقليل من حدّته أو معالجته بأي وسيلة من الوسائل. غير ان ما جرى وما أكده المتحدث باسم الجيش السوداني أثار الشكوك حول حقيقة الدور الذي قامت به قوات اليوناميد، لدرجة أن المتحدث باسم الجيش السوداني وصف ما جرى بأنه كان عبارة عن تسليم وتسلم!! فقات اليوناميد فقدت معدات عسكرية (أسلحة وعربات) دون أن تلحق بها أية اصابات في أفرادها الذين بلغ عددهم (61) جندياً!! وهو أمر وفقاً للقواعد العسكرية يعتبر في حكم المستحيل، اذ أن الجيوش ومهما كانت الظروف لا تسارع بتسليم سلاحها للجهة المعادية بهذه البساطة فضلاً عن بقية معداتها خاصة وهي قوات حفظ سلام ولديها الخبرة الكافية بالمنطقة وطريقة القتال واسلوبه ولا ينقصها التدريب اللازم لذلك. هذا الموقف من السهل أن نخلص منه الى أن قوات اليوناميد – بصورة ما – ربما كانت هي نفسها (ضحية) – اذا جاز التعبير – لجهة دولية ما، تريد منها أن تفسح المجال لقوات عبد الواحد ليتسنى للأخيرة تحسين وجودها على الأرض، أو اظهارها كقوة غير قادرة على القيام بمهامها مما يستلزم استجلاب قوات دولية، وكلنا يعلم أن هنالك قوى دولية بعينها سعت من قبل ولا تزال تسعى للتدخل الدولي العسكري في دارفور، وليس من المستبعد أن يكون هذا السيناريو تمهيداً لذاك!!