كتبت الصحافية الأمريكية الشهيرة تشيرلي تشوملي Cheryl Chumley مقالة في "الواشنطن تايمز" بتاريخ 14-10-،2013 تحت عنوان: الصين تُحذِّر العالم: حان الوقت لنهاية الأمركة . أشارت فيها إلى مجموعة من العوامل التي تدعو الصين إلى النظر باستخفاف إلى المكانة الأمريكية على المستوى العالمي، ومن أهم هذه العوامل الاضطراب الواضح في سياسة واشنطن الخارجية، وتباطؤ نمو الناتج القومي الإجمالي البالغ 15000مليار دولار، بينما يتنامى الناتج الصيني الذي وصل إلى 12300 مليار دولار (وفقاً لتقديرصندوق النقد الدولي) . شيءٌ ما غير طبيعي يرتسمُ على ملامح الدور الأمريكي في العالم منذ بدء الولاية الثانية للرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وتوضَّحت هذه الملامح خلال الشهرين الماضيين . فالتخبُّط في السياسة الخارجية كان بادياً للعيان، بينما الاضطراب الداخلي وصل إلى حدٍ غير مسبوق قبل أن يصوِّت الكونغرس على زيادة سقف الاستدانة إلى ما فوق ال 7 .16 ترليون دولار، أي ما يتجاوز الناتج الإجمالي . وفي سمات التغيرات داخل الولاياتالمتحدة ظهور خلافات أيديولوجية غير معهودة، حمل لواءها بشكلٍ ظاهر نواب ما يطلق عليهم "حزب الشاي" وقد عبر عن هذه الاختلافات الكاتبان توماس مان ونورمان اونشتاين في كتابهما "اسوأ مما يبدو" واتهما فيه الجمهوريين بنسف نسق التسويات الذي كان سارياً في الكونغرس لمصلحة سياسة "النقاوة الأيديولوجية" . ولولا تحذير خبراء النقد من انهيار يتجاوز في خطورته ما حصل في العام ،2008 لما قَبِل الجمهوريون بالتصويت على التسوية، علماً أنهم كانوا يطالبون بنسف جوهر خطة أوباما الاستشفائية، من خلال نمط انتقامي، يُذكِّر بالصراع بين معسكري الرأسمالية والاشتراكية في القرن الماضي، حيث كل ما يفعله المعسكر الأول خطأ برمتهِ بنظر المُعسكر الثاني، والعكس صحيح . ومن الاعتبارات الداخلية غير العادية عدم إقرار موازنة الولاياتالمتحدة للعام 2014 ، البالغة حوالي 4000 مليار دولار، يتجاوز العجز فيها 900 مليار، في وقت تتمتع فيه الصين باستقرار تشريعي أدى إلى التصديق على الموازنة التي بلغت 2252 مليار دولار، وتجاوزت ميزانية الدفاع فيها 119 ملياراً، علماً أن بكين تُقرِض واشنطن مبلغ 3 .1 ترليون دولار . أمَّا في مجال السياسة الخارجية فمؤشرات التراجع في المكانة الأمريكية واضحة، ويتبين ذلك من خلال مجموعة من المواقف التي تعاطت فيها واشنطن مع ملفات دولية ساخنة، ولم تُفلح في معالجتها على ما كان يُنتظر منها . فالاستدارة التي أعلنت عنها نحو شرق آسيا فشلت في إحداث تغيير نوعي في تلك المنطقة من العالم، فلا هي استطاعت محاصرة المارد الصيني الذي يتوقع نمو ناتجه المحلي 20% هذه السنة من جراء التدافع السياحي إلى بلاد الغال، ولم تتمكن واشنطن أيضاً من طمأنة حلفائها الخائفين في سيؤول ومانيلا وطوكيو من توسُّع النفوذ الصيني، ومن التهديدات النووية لبيونغ يانغ . وسياسة "اللف والدوران" الأمريكية أحدثت خدوشاً في جدار العلاقات المتماسكة بينها وبين حليفاتها الأوروبيات على الضفة الشرقية للأطلسي . فواشنطن لم تفعل أي شيء لمساعدة هؤلاء الحلفاء في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما اليونان واسبانيا وايطاليا وقبرص، وهي لم تُحرك ساكناً في سبيل إضفاء أجواء من الاستقرار على مستقبل الإمدادات النفطية والغازية التي يحتاجها أصدقاؤها الأوروبيون، بل العكس، فقد خفضّت اهتماماتها الاستراتيجية بالمناطق التي تُعتبر مصدراً أساسياً للطاقة، وخصوصاً الشرق الأوسط، واستدارت باتجاه توظيف استثمارات هائلة لاستخراج النفط الإحفوري من سهوب تكساس ونيفادا الواسعتين . ولعلَّ الأبرز في سياق مسيرة التراجع الأمريكية، التخبط الذي أصاب دورها في الشرق الأوسط . فالسياسة التي اعتمدتها واشنطن تجاه الأحداث الدامية في سوريا أفقدتها ثقة الشعوب التي كانت تتطلع إليها كحامية للاستقرار، وضامنة لحقوق الإنسان، ورادعة لكل مَن تسول له نفسه ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية . فتدنَّت مصداقيتها إلى الحضيض عندما لجأت إلى استرضاء موسكو . وإطلاق يد "إسرائيل" في عدوانها على الشعب الفلسطيني، اخفاقٌ آخر يُصيبُ المكانة الأمريكية . قد يكون من المُبكِّر الحُكم على العصر الأمريكي الذي امتد من العام 1990 حتى اليوم ، إلاّ أن إدراك تراجع نسق الامّركة، أو بدء أفول الأحادية القطبية، أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره . المصدر: الخليج 22/10/2013م