هي المرة الأولي الذي يزور فيها وزير الخارجية القطري خالد محمد العطية السودان كوزير لخارجية دولة قطر. تأتي أهمية هذه الزيارة من التوقيت الدقيق الذي جاءت فيه هو العامل الأبرز اللافت، ما جري بالسودان في الأسبوعين الماضيين من أحداث دموية جعل السودان في صدارة الأخبار العالمية، وظل العالم يرقب حركة الرياح بالعاصمة هل تتجه إلي فضاء الثورة ليلحق السودان بالربيع العربي أم أنها عاصفة ستعبرها الحكومة ويستعيد النظام المبادرة. كان سؤالاً حرجاً لم يكن باستطاعة أحد قراءة المشهد بشكل صحيح في أول يومين من الاحتجاجات. قراءة الأحداث كما هي مهمة للسودانيين، فهي كذلك مهمة للمعنيين بالشأن السوداني من الأصدقاء والحلفاء والأعداء علي السواء. القطريون كأصدقاء وحلفاء للحكومة السودانية كانوا يترقبون المشهد ولعلهم كانوا الأكثر توتراً من بين الدول العربية. فبعض دول الجوار العربي تمنت ذهاب رياح الحكومة بالسودان، والسبب يعود لكراهية تلك الأنظمة للإسلام السياسي الذي يسبب قلقاً متعاظماً لدي الكثير منها، انقسم العالم العربي والإسلامي بين مؤيدين ومعارضين لظاهرة صعود الإسلاميين. تكفلت قطر عبر أدواتها الإعلامية وعلاقاتها الدولية بدعم الأنظمة الإسلامية التي أفرزها الربيع العربي. علي خلفية الصراع الإقليمي بل والدولي حول أنظمة الإسلام السياسي تأتي زيارة العطية للخرطوم. فالقطريون لا يخفون تعاطفهم ودعمهم لحكومة الخرطوم في أكثر من مناسبة. الآن أهم ملفات الصراع في السودان بين يدي القطريين وهو ملف دارفور. استطاعت قطر أن تحرز نجاحات واختراقات في الملف علي المستويين الاقتصادي والسياسي، وأسهمت في استقرار السلطة الإقليمية التي أفرزها اتفاق الدوحة بما بذلته من عون وجهد. استطاع البلدان أن ينجزا تعاوناً عسكرياً ناجحاً حتى إبان الثورة الليبية، وكان لموقف قطر من الأزمة السورية أثره علي السياسة السودانية التي بدأت مترددة في حسم موقفها إلي أن دعمت أخيراً الثوار السوريين. توقيت الزيارة دال علي دعم قطر للحكومة دبلوماسياً بشكل كاف وسبقها دعم اقتصادي تمثل في أكثر مليار دولاراً أودعتها الحكومة القطرية في البنك المركزي مما أسهم في تراجع سعر الصرف بالأسواق، وفي الأنباء قرض سلعي في الطريق في شكل مدخلات إنتاج وغيرها. وهذا الدعم له أثره المباشر في استقرار النظام بشكل جدي وليس عبر البيانات والتصريحات المجانية. سبق ذلك الدعم الاقتصادي دعم إعلامي مشهود عبر أداء قناة "الجزيرة" التي كان يسمونها متعهدة الثورات، إذ بدا لافتاً تلك التغطية المتكاسلة التي ميزت أداء "الجزيرة" في مقابل تغطية شديدة العداء لبعض القنوات العربية التي لا تخفي الأنظمة التي تدعمها عداءها للخرطوم. الدعم الدبلوماسي عبر زيارة العطية للخرطوم يوضح مدي عمق الانقسام في الخليج من أهم حكومتين بوادي النيل. الزيارة في جوهرها إعلان موقف سياسي لا تراعي فيه قطر إلا مصلحتها ومصلحة حلفائها، وهو موقف سيزيد من حالة العداء تجاهها لأنها سيضعضع حالة الاصطفاف السياسي الكارهة للإسلام السياسي. النتائج التي ستترتب علي هذه الزيارة مهمة في اتجاهين: الأول اقتصادي وبدأ مفعوله يسري، ويستمر الدعم القطري إذا لم يكن بالدعم المباشر، فبدفع استثمارات قطرية إلي السودان، وفي الأنباء أن مسؤولي صندوق الاستثمار القطري في طريقهم للخرطوم، وكما هو معلوم أن الصندوق القطري هو أكبر مستثمر حول العالم. فالدفع برجال أعمال قطريين للاستثمار في المشاريع الزراعية بحجم رساميل كبيرة من شأنه أن ينعش القطاع الإنتاجي ويؤدي لزيادة الصادرات الحيوانية والزراعية. سياسياً بإمكان قطر أن تستثمر علاقتها مع أكثر من طرف في الساحة السياسية لمحاولة لعب دور ما في محاولة للوصول إلي معادلة ترضي الأطراف كافة وتسهم في استقرار بلد يعتبرونه حليفهم الأهم. بالطبع ما يجري من اتصالات تحت تحت ولقاءات علي مستوي القمة يشجع القطريين لتسريع محاولة الانتقال لمربع جديد في السياسة السودانية. لا أعتقد أن الحكومة السودانية بعد المواقف القطرية سيكون لها مانع أن يكون لقطر دور ما يعزز مكانتها الإقليمية وينجز تحولاً تاريخياً في السودان.