اعترته صعوبات أطاحت بكل خططه وبرامجه المعلنة بمواقيتها الزمانية، فقد ذهب إعلان إسقاط النظام خلال (مائة يوم) أدراج الرياح، والعام 2013م الذي أعلن فيه لم يبق على رحيله سوى أيام أو شهر واحد. ومثل ذلك الشعار أو الأطروحة، شعار (الحكومة القومية) الانتقالية – كما يقول (الحزب الشيوعي) وغيره هذه الأيام – بغرض تطبيق نظام ديمقراطي بديل.. ينقل البلد من حكومة الحزب الواحد إلى دولة المواطن والشعب والمؤسسات القومية. هكذا قال (الحزب الشيوعي) في مؤتمره الصحفي الخميس الماضي بداره بالخرطوم، وهو ما يبدو للمراقب (هرطقة) إذا جاز التعبير، شأنه شأن (إسقاط الحكومة) بانتفاضة مسنودة بالبندقية – كما قالت المعارضة عبر تجمعها الوطني الديمقراطي في الخارج. فالحزب الذي يري ويسمع ما يجري بين أحزاب المعارضة من ملاسنات ومخاشنات وخلافات حادة في الفترة الأخيرة، عليه أن يقدر أن الحكومة القومية الانتقالية مستحيلة في الوقت الراهن والأحزاب المعارضة (ما فيها مكفيها..!) وبعضها يعاني من خلافات في الرأي واستقالات وصراع على المواقع. ولو أن (الحزب الشيوعي) رجع إلى الوراء ليستصحب ما كان يجري بين الأحزاب في الفترات الانتقالية التي أعقبت زوال الأنظمة (عبود والنميري) وما تبعها، لوجد أن ثقافة الشراكة في السلطة لم تتحقق بالقدر الذي عليه الآن، والذي يسعي الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) لتوسيعه ما تيسر، فالحكومة الحالية التي تشكل من أكثر من حزب وجسم سياسي تبدو الأكثر استقراراً وتعبيراً عن (حكومة قومية) تنقل البلد إلى دولة الوطن والشعب والمؤسسات، كما يشتهي (الحزب الشيوعي) ويتمني. ثم لو أن (الحزب الشيوعي) فطن إلى الأسباب التي أدت إلى الخلاف داخل ما يعرف ب(قوى الإجماع الوطني)، الخاصة بإعادة هيكلة الجسم القيادي فيها بناءً على طلب حزب (الأمة القومي) وزعيمه الصادق المهدي، لوجد أن قيام (حكومة قومية) في ظل نظام دستوري رئاسي، صعبة ومستحيلة، لذات الأهداف التي جعلت من حزب (الأمة القومي) عند هجرته إلى الخارج والتحاقه بالمعارضة في تسعينيات القرن الماضي، جعلته تنظيماً موازياً ل(التجمع الوطني الديمقراطي) الذي كانت قيادته تحتاج إلى إعادة هيكلة وبناء..! فكيف كان سيكون نصيب حزب (الأمة) في حكومة قومية بنظام حكم (رئاسي) وليس (برلماني).. أي حكومة بلا رئيس وزراء.. وإن كانت مؤقتة وانتقالية..؟ فمشاركة حزب (الأمة القومي) لن تكون بدون رئيسه وزعيمه كما حدث على يدي لجنة السيد مبارك الفاضل نائب رئيس الحزب يومها عندما تفاوض مع (المؤتمر الوطني) علي الشراكة في السلطة .. ووصل هو إلى درجة المستشارية في رئاسية الجمهورية .. وظل رئيس الحزب بعيداً عن ذلك، الأمر الذي أدي إلى انقسام الحزب – كما هو معلوم. إن الأمر كله – يقول الواقع – لن يحسم إلا في الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة – أي في منتصف العام 2015م – حيث يمكن إسقاط النظام بوسيلة شرعية وديمقراطية وإقامة نظام دستوري رئاسي أو برلماني، وكيفما كانت مخرجات ونتائج الانتخابات التي تكون الكلمة فيها للناخب السوداني عبر صندوق الانتخابات، وليس أية وسيلة أخرى مما حدثنا (الحزب الشيوعي السوداني) عنها في مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي، فدولة المواطن والشعب والمؤسسات لن تكون بغير تلك الوسيلة كما هو معروف. وعليه، ما على (الحزب الشيوعي) وكل أطياف وأشكال المعارضة وغيرها من الأحزاب، بما في ذلك الحزب الحاكم وشركاؤه، إلا اللجوء إلى وسيلة وخطة عمل جديدة قوامها الاستعداد للانتخابات المقبلة .. فالحل الحقيقي لكل المشكلات والأزمات السياسية وغيرها يمكن في هذا المنشط الديمقراطي. في هذا المنعطف الإيجابي، نشير إلى ما أفاد به الدكتور الأصم – عضو المفوضية القومية للانتخابات – ونشرته الصحف اليومية. الأصم، وهو متحدث باسم المفوضية القومية للانتخابات العامة، دعا الأحزاب إلى: - أولاً: الدفع بالشروط المطلوبة للنزاهة بما في ذلك التشكيل في الأعضاء. - ثانياً: عدم مقاطعة الانتخابات العامة. - فالمشكل في السودان هو الصراع على السلطة، والحل – كما قال – في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تضمن تمثيلاً عادلاً لكل الناس، ويشهد بنزاهتها (الخاسر) قبل (الكاسب). وهذا من حيث المبدأ ما لا يختلف عليها اثنان، فقد حان الوقت بعد مرور ربع قرن من الزمان، جرب فيه المعارضون كل الوسائل لتحقيق مطامحهم وبرامجهم، أن يلجئوا إلى ما هو أسلم وأسرع وله مردوده الايجابي على التجربة الديمقراطية السودانية، إن أحسن كل أداءه. ولا بأس من انتخابات تعمل فيها أحزاب المعارضة على التنسيق والعمل المشترك في ما بينها لتحقيق ما لم تستطيع تحقيقه من قبل. كما أن أحزاب الشراكة في السلطة يصبح بإمكانها هي الأخرى التنسيق والعمل المشترك لبناء علاقة جديدة قوامها التجربة السابقة في إدارة السلطة والعلاقة – وذلك رغم ما انتاب تلك العلاقة من تصدعات مع البعض كالحزب الاتحادي (الأصل) الذي كان بعض كوادره يصر على هدم العلاقة..!! والحال نفسه بين أحزاب المعارضة لا ريب، فهناك كما سبق أن قلنا (حزارات) وملاسنات واتهامات، بعضها خطير وجارح للغاية، والمقصود هنا اتهام حزب (الأمة القومي) ل(المؤتمر الشعبي) بأنه المرجع في المشكل الدارفوري وله دعوماته لبعض الحركات المسلحة هناك.. ول(المؤتمر الشعبي) اتهامه ل(الأمة القومي) بأنه عمل للانفصال بين الجنوب والشمال. ولكل من هذه الاتهامات والتراشقات ما يرجع إليه من أسباب ووقائع تسنده، وليس الظرف والحال الآن ملائماً لذكر ذلك بتفاصيله وتفاريعه المتاحة، إلا أنه ربما أعاق قضية التنسيق والمساندة في الانتخابات كيداً بالسلطة وحلفائها، رغم الهم المشترك وهو إقصاء النظام الحاكم وحزبه (المؤتمر الوطني). المصائب – على كل حال – يجمعن المصابين، ولكن هناك أيضاً ما يفرقهم، وفي هذا الإطار نذكر (الحزب الشيوعي) الذي ليس مصيبته في الخلافات والاختلافات وإنما مع العملية الانتخابية بشكل عام، التي سبق أن قلنا في مشهد سياسي سابق غنه (لا يهواها بل يخشاها) .. وله في ذلك أسبابه وتجاربه غير السعيدة مع صدوق الانتخابات .. وعليه فهو يفضل إسقاط النظام بوسائل أخرى غير الصندوق ..