الرسالة الوحيدة التي حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على توجيهها الى العرب عشية قمة قادتهم في سرت، هي قدرته على الاستمرار في تحدي الرئيس باراك أوباما وأهدافه ونهج إدارته، كلما تباينت ومشروع التهويد الكامل للقدس. في الظاهر، كان مفترضاً ان تحتوي زيارة نتانياهو البيت الأبيض، شكوكاً تلبّدت في فضاء التحالف الأميركي – الإسرائيلي الذي «لا يتزعزع» ولن يهتز، كما ورد في ديباجة الاحتواء الأميركي ل «توبيخ» المشاغب الإسرائيلي، بعد ما فعله خلال جولة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة. تصرّف نتانياهو كما لو انه في «بيته»، وتكررت الفِعلة، بإعلان مزيد من التوسع الاستيطاني في القدس، فيما كان الضيف الثقيل مجتمعاً الى أوباما، بعيداً من فضول الكاميرات. هكذا لم يعرف أحد مَن يوبخ مَن. قبل عشاء البيت الأبيض وبعده، كانت رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي: الاستيطان في القدس شأن الدولة العبرية، وللحليف الأميركي ان يتدخل فقط، لتأمين كل ما تطلبه لحمايتها، وإبقاء «تفوقها النوعي». الجدل لا يدور حول مَن يحرِج مَن، ولكن يكفي لتصور حجم التحدي الذي يصرّ نتانياهو عليه في مواجهة استراتيجية أوباما للتفاوض على كل المسارات في الشرق الأوسط، تذكُّر ان الفترة الفاصلة بين جولة بايدن (الأزمة الأولى) وزيارة زعيم «ليكود» لواشنطن لا تتجاوز اسبوعين، وأن أياماً قليلة تلت بيان اللجنة الرباعية (تضم الولاياتالمتحدة) التي أصرت على وقف الاستيطان الإسرائيلي، وإنجاز مفاوضات قيام الدولة الفلسطينية خلال سنتين (ملفات القدس والحدود واللاجئين...). قد يقال إن خيط «تواطؤ» ما يجمع واشنطن ولندن وباريس، بإعادة فتح بريطانيا وفرنسا ملف فضيحة تزوير «الموساد» جوازات أوروبية في عملية اغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح، وذلك لتشديد الضغوط الدولية على إسرائيل، فيما إدارة أوباما تصر على إطلاق قطار المفاوضات مع الفلسطينيين، بإرغام حكومة التطرف في الدولة العبرية على وقف ابتلاع أراضي الفلسطينيين في القدسالشرقية والضفة الغربية عموماً. وحتى لو كانت نظرية «التواطؤ» مجرد خيال أو تمنٍ عربي، فالثابت الوحيد منذ شكّل نتانياهو حكومته قبل نحو سنة، انه نعى مئة مرة أي أمل بالسلام، ويحاول بالكذب خداع الفلسطينيين لاستدراجهم الى قفص مفاوضات شكلية يرضي بها طموح أوباما، فيما يواصل هو عمليات نهب الأرض. وأياً تكن تحفظات المعارضين للرئيس محمود عباس عن نهجه وسياسته، فإن أحداً منهم لا يمكنه ادعاء تفريطه بحقوق الفلسطينيين، في حين لا تصب تلميحات بعضهم الى بديل من المبادرة العربية للسلام، سوى في قناة تعميم الفراغ. والفراغ وحده هو الذي سيخلي الساحة للمتطرفين من الجانبين. أليس ذلك طموح «ليكود» وألسنة الشر، أمثال الوزير ليبرمان؟ يحشر نتانياهو إدارة أوباما في زاوية المناورات والابتزاز، وتحت ضغوط الكونغرس الذي احتفى برئيس الوزراء الإسرائيلي وكأنه ينقذه من مطالب البيت الأبيض. وإذ يتحدى الضيف الثقيل خطة الإدارة، ومن واشنطن تحديداً، فإنما يخاطب كل اعتدال عربي عشية القمة، مصراً على لا جدوى الرهان على أوباما. لعبة الابتزاز الإسرائيلي للرئيس الأميركي، قبل عشائه مع نتانياهو وبعده، لن تتبدل. بدأت باستغلال ورقة التهديد النووي الإيراني، وتحوّلت إصراراً صارخاً على استثناء كل القدس من المفاوضات، في سنة التجديد النصفي للكونغرس. يلوّح نتانياهو ومن ورائه أعضاء بارزون في الكونغرس، بلي ذراع إدارة الديموقراطيين في الولاياتالمتحدة، فيما «خطة إنقاذ القدس» والتي يفترض أن يتبناها وزراء الخارجية العرب عشية قمة سرت، أقرب الى مداواة معتلٍ بالسرطان، بحبة أسبرين. واضح ان سرطان التهويد لكل ما هو فلسطيني في القدس يتفشى بأسرع وتيرة. والأكيد أن القمة العربية تعقد في ظروف لا تؤهلها لتبني أي بديل من المبادرة العربية للسلام، أو أي خطة عملية تؤدي الى رفع حصار التهويد عن المدينة، بافتراض وجود بديل واقعي للمبادرة. «حماس» تريد من القمة رفع الحصار عن غزة، فيما ضغوط الخلافات تحاصر الجميع. وحدة اليمن على المحك، ومعها وحدة العراق بعد الانتخابات، ومصير الاختراقات التي تحاصر القرار العربي، وشكوك العرب في قدرة أوباما على الإيفاء بأي من وعوده، وقلقهم من مدّ تشرذمٍ يتيح لإسرائيل من المكاسب، ما هو أكبر بكثير من قدرتها على انتزاعه بالحروب... ويمكّن سواها من التسلل، تحت جنح الوصاية. المصدر: الحياة 25/3/2010