أنباء ومشاهد العنف الواردة من إفريقيا الوسطى تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين الإنسانية، وتعبر بوضوح عن مدى تدهور الأمن في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، واندلاع مواجهات طائفية بين مكوناتها السكانية، لاسيما بين المسلمين والمسيحيين، منذ أن أطاح ائتلاف سيليكا بالرئيس السابق فرانسوا بوزيزي مارس الماضي، لتنصب الحركة المتمردة زعيمها ميشال جوتوديا، رئيساً انتقالياً للبلاد . كان من المفترض احترام وتنفيذ اتفاقات السلام الموقعة بين الحكومة وتحالف سيليكا، خلال السنوات القليلة الماضية، التي تنص على إعادة دمج المتمردين في الجيش بعد نزع سلاح فصائلهم كافة، بدلاً من الوصول إلى هذه الحالة المرعبة في تدهور الأمن، من خلال صراعات الحركات الطائفية المسلحة، الأمر الذي ينذر بحرب إبادة متوقعة، إن لم يتم وقف دوامة العنف من خلال عملية سياسية شاملة تأخذ بالحسبان الاتفاقات الموقعة . الميليشيات المسلحة، التي تضم مجموعة من المزارعين، من أتباع الرئيس بوزيزي، ارتكبت أبشع الفظائع بحق المسلمين، وصلت إلى حد حرق جثامينهم في الشوارع العامة، وسرقة أملاكهم وطردهم من بيوتهم ومحلاتهم التجارية وتدمير مساجدهم، ونزوح أعداد هائلة منهم، مما أدى إلى ظهور واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القارة السمراء، ليزيد من معاناة هذه الجمهورية، التي صنفت أصلاً كواحدة من الدول الأقل نمواً في العالم . حالة الفوضى التي تعيشها إفريقيا الوسطى، تضعنا أمام تساؤل حول الحلول الناجعة لمشاكلها وبسط سيطرة الدولة التامة على كامل أراضيها، وتجنيب الأقلية المسلمة، التي تشكل 15 بالمئة من إجمالي 5 .4 مليون نسمة، الويلات والمعاناة وإراقة مزيد من الدماء، وتحقيق نوع من الاستقرار السياسي والأمني يعيد لمكوناتها العيش في وئام وانسجام وتكامل، بعيداً عن السعي من جماعة معينة إلى إلغاء الأخرى أو تهميشها . فرنسا، التي نصبت نفسها شرطية على إفريقيا، سعياً لتحقيق حلمها باستعادة نفوذها، ناهيك عن أطماعها في مخازن الذهب والألماس واليورانيوم في إفريقيا الوسطى، حاولت من خلال تدخلها العسكري إعادة الأمن والهدوء إلى هذه الجمهورية المضطربة، إلا أنها لم تفلح في ذلك حتى الآن، بل على العكس، زاد تدخلها من نار الحرب الطائفية، وجدد مخاوف المجتمع الدولي من أن يحوّل النزاع الديني والإثني الدولة إلى ملجأ للمتطرفين والأصوليين والمجموعات المسلحة . مستقبل القارة السمراء واستقرارها يبنيان عبر تعزيز قدرة الأفارقة على أن يديروا بأنفسهم أزمات بلادهم، لا التعويل على التدخل الخارجي . الأمل معقود، رغم المهمة الشاقة، على الرئيسة الانتقالية المنتخبة كاترين سمبا بنزا، عبر القيام بعملية فورية ومنسقة لإنقاذ البلاد من الانزلاق إلى وضع الدولة الفاشلة، ووقف معاناة الشعب وبدء مصالحة شاملة وحوار جاد، وإرساء السلم في بلاد ما زال فيها الخوف من مجازر جديدة يقض مضاجع مئات آلاف النازحين، وإعادة الحياة إلى إدارة شلت بالكامل، واستعادة الأمن وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وحماية السكان من مآسي الجوع والقتل العشوائي، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وتمكين مئات آلاف النازحين من العودة إلى منازلهم وتنظيم انتخابات حرة، خاصة أن طرفي النزاع يثقان بها، ولها تجربة سياسية طويلة . المصدر: الخليج 26/1/2014م