الاقرار بان الانقسام الفلسطيني والخلافات العربية وعدم توفير ارادة جامعة للامة ولا قضية مركزية ولا هدف واحد ، لا يعني تناسي العوامل الاخرى الخارجية من تآمر تاريخي وضغوط مستمرة واندفاعة استعمارية لاستباحة المنطقة لتعيش اسرائيل في اجواء مريحة سعيدة بتواصل حالة التردي العربي عبر خط بياني هابط ومنزلق نحو الهاوية وكذلك ظلت اسرائيل متمتعة بالدعم الغربي الذي ولدت الدولة العبرية على يديه والذي تبنى المشروع الصهيوني ووظف كل قدراته لاستمار تفوق اسرائيل والحفاظ على اختلال موازين القوى لصالحها. على ضوء هذا الواقع المأساوي ، لا يمكن ان ننكر على المواطن العربي في كل مكان التعبير عن آلامه واحزانه وتبرمه ونقمته ، وقد يوصل الاحباط والغضب مما يجري بعض الناس للتأكيد وحتى للالتحاق حتى بتنظيم ظلامي عدمي مثل "القاعدة" "كفشة خلق" واللجوء الى التطرف ردا على التطرف الذي تخلقه كارثة الاحتلال الفلسطيني والعراق وافغانستان والضغوط الخارجية على كافة بلدان المنطقة وضربها بعضها ببعض ثم ضربها وتقويضها من الداخل.. وردود الفعل على ما يجري قد تدفع الناس الى التعلق بقشة وعود احمدي نجاد بازالة اسرائيل والانتصار على امريكا،،. ما يتطلع اليه الانسان العربي هو وحدة امته وازالة اسرائيل وانهاء كل اشكال الاستعمار والتدخل ، وهذا مطلب مثالي وخيالي لان الفرد العربي ليس له من الامر شيء ، ولذلك فان التحليل السياسي لما نكتب ينبثق من الامر الواقع وهذا الواقع عندما نعتمده لمواجهة اية مسألة ، يعني اننا نغطي على الحقيق والمثالي كما كان يقول فولتير بانك عن الحديث عن السياسة واقعية تخفي المثل والمبادئ لتسير الامور،،. الواقع ان القرار السياسي هو بيد الحكام ولذلك شخصت ابصار الشعوب العربية للقمة لعل هناك جديدا ، خاصة ان اسرائيل بالغت في غطرستها واستهانتها بالعرب واصرارها على اغلاق كل ابواب التسوية بعد اكثر من 4 عقود من متاهة بلا نهاية وبينما العرب كان وظل خيارهم الوحيد هو السلام واداتهم للفعل السياسي هي مبادرة السلام العربية فان اسرائيل تعتبر ذلك تسولا لا تلتفت اليه. باسم الواقعية العربية تبنت قمة سرت الاستمرار في تبني المبادرة العربية التي لم تستجب لها اسرائيل ولم تدعمها جديا امريكا مع انها في الاصل افكار امريكية زينت امريكا للعرب طرحها كمبادرة متكاملة لكن امريكا تنكرت لها ، واقصى ما وصفت به هذه المبادرة من قبل امريكا بأن بها بعض الايجابيات ، ولا يحتاج الأمر الى اثبات ان امريكا منحازة بتطرف نحو اسرائيل وان الغرب عموما داعم للمشروع الصهيوني في كل مراحله ، لكن لا بد من تذكر أن هنالك مباركة امريكية واوروبية في اكثر من مناسبة للمبادرة العربية كأفكار نظرية ، والمؤسف ان العرب ابقوا عليها ايضا كأفكار نظرية لافتقارها لآليات التنفيذ والى حشد التأييد الفعلي لها. ونعتقد انه من المفيد للعرب سياسيا ان يقتنصوا اللحظة الراهنة التي تشهد تباينات جزئية في علاقة اسرائيل بأمريكا وبعض بلدان اوروبا التي لا تخرج عن خط امريكا،،. وكان الأجدر بالعرب من خلال قمتهم ان يتأملوا بافتراق الخطاب السياسي والاعلامي الامريكي والغربي عموما عن الخطاب الاسرائيلي ، وصحيح ان العرب ليسوا طرفا في الخلاف الامريكي الاسرائيلي حول توسيع الاستيطان خاصة في القدس ، الا ان الامر يهمهم ولا يهم غيرهم ، بالاضافة الى انه يوفر مؤشرا على تباين المصالح الاسرائيلية الغربية ، ولكن وحتى لو كان ذلك سطحيا أو ظاهريا ، أو دعائيا الا انه فرصة للعرب وباسم الواقعية السياسية ان يضعوا كل ثقلهم لحسم قبول امريكا واوروبا بالمبادرة العربية أو رفضها ، وبالتالي ترفع عن الطاولة حسب التعبير الذي تردد في القمة الحالية والسابقة. ومنذ القمة الماضية في الكويت طالبنا بأن يتشكل وفد من الملوك والرؤساء على رأسه صاحب المبادرة خادم الحرمين ليتوجه الى اوباما وادارته لحسم مسيرة التسوية سلبا أو ايجابا. ولا اقل من ان ينجلي الخداع والنفاق والزيف الغربي بمواجهة التأكيد العربي بالرهان على السلام كقيمة وهدف وهذا هو جوهر الموقف العربي ورفض الاستسلام الذي هو جوهر الموقف الاسرائيلي. وعندما تنجح ليبيا مثلا في لي ذراع اوروبا في مسألة صغيرة تتعلق بإشكال ابن القذافي في سويسرا ، فان العرب قادرون على ان يضعوا كل ثقلهم نفطاً وغازاً وموقعاً استراتيجياً ومصالح متحققة للغرب بشكل كامل بلا مقابل ، كل هذه المعطيات يمكن ان تجعل الحديث عن مصالح امريكا واوروبا في تحقيق السلام حديثاً تتم ترجمته عملياً. والمؤكد ان لدى العرب اوراقا معطلة بلا سبب وأهمها واولاها دعم المقاومة وتفعيلها وبداية امتلاك قوة عكسية ، وقبل ذلك لديهم سلاح المقاطعة الكاملة لاسرائيل وتجميد كل العلاقات والاتصالات العربية معها ، وذلك هو اضعف الايمان واقل الارادة وفن الممكن والواقعية السياسية في حدها الادنى ، والذي لا يشك أحد ان نتائجه ستكون مثمرة ومفيدة وهو يظل يصب في نفس السياق السلمي كخيار جديد استنادا الى تعديل موازين القوى السياسية وكمقدمة لخيارات اخرى بما في ذلك خيار القوة للدفاع المشروع عن النفس والرد والردع.. إلخ. المصدر: الدستور 30/3/2010