إن التوقع بشأن جولة المفاوضات المزمعة بين الحكومة والحركة الشعبية- قطاع الشمال، تفرض موضوعياً قراءة المعوقات التي أضرت بالعملية التفاوضية السابقة، ولعل أبرزها هو التوقيت الذي جرت فيه، حيث ارتبط توقيت الجولة ومجيئها عقب خطاب الرئيس عمر البشير الذي أعلن فيه الحوار مع أربعة محاور. فيما كان من الأفضل للمفاوض الحكومي أن يتم الحوار ثم تعقبه المفاوضات، لأن الحوار المطروح يبدأ بالسلام، وبالتالي كان ضمنياً سيناقش قضايا الحرب، مما كان يتيح للوفد أن يمضي برؤية ذات إجماع من القوي السياسية التي ستشارك في الحوار الوطني، ويتأسس علي ذلك موقف مريح في التفاوض ما يجعل الساحة الداخلية موحدة بشكل اكبر. إن الطرف الآخر ممثلاً في قطاع الشمال حاول أن يستغل هذه السانحة وتحصل علي نصائح من خبرائه ومستشاريه، وتلكأ في مسألة التفاوض بطرح قضايا تعجيزية لجهة أنه ينتظر نتائج الحوار الداخلي والإشارات التي تخرج عنه، لجهة أن القطاع يعول علي جبهتين لإسناده الأول هو الجبهة الثورية التي بدأت تتمزق، ويعول أيضاً علي تحالف المعارضة الذي بدأ يتآكل، والملاحظ أن الجولة السابقة افتقد فيها قطاع الشمال السند العسكري خاصة بعد انقضاء شهر العسل بينه وبينه حكومة جنوب السودان. اعتقد إن الجولة المقبلة ظروفها أفضل خاصة إذا قرأ قطاع الشمال الساحة لأن كل ظروفها ليست في صالحه، وهو ما تؤكده بعض المعلومات بأن ثمة نقداً لاذعاً من اركو مناوي ضد قطاع الشمال ووصفه بالانتهازية، كما أن هناك مجموعات مقدرة من أبناء النوبة القيادات تعمل الآن علي الأرض وتتحرك سياسياً لسحب البساط وتقويض تفويض ياسر عرمان ومسانديه من قوي اليسار الموجودة في قطاع الشمال... كذلك فان زيارة الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي للخرطوم ومقابلته للرئيس عمر البشير واطلاعه علي رؤية الرئيس لتحقيق السلام جعلت من الصورة واضحة وتأكد من جدية الحكومة لإيجاد حل سلمي للمنطقتين.. اعتقد أنه كان ينبغي علي الخرطوم وما يتوجب حالياً أن تستعين بالخبراء والمستشارين في الملفات المطروحة سواء سياسية أو أمنية أو إنسانية والاستفادة من التجارب والاتفاقات السابقة في بروتوكول المنطقتين أو اتفاقية جنيف 2000م، واعتقد أن ضم الوفد جزء من الأحزاب المشاركة في الحكومة بهدف توسيعه. في تقديري أن أهم التحفظات التي قدرها مفاوض الحكومة هي تلك المرتبطة بمحاولات البعض لتوسيع القضية وإضافة مناطق أخري مثل حديث ياسر عرمان عن دارفور والشرق برغم أن لكل منهما منابر واتفاقيات، مع أن قرار مجلس الأمن واضح في تحديد اختصاص التفاوض، بالإضافة إلي تحفظ حول ما ينبغي أن تكون عليه الترتيبات الأمنية، ففي السابق كان ذلك المحور المساهم الأكبر في انفصال الجنوب حيث جعل قوات الحركة الشعبية مفصولة عن الجيش، وبالتالي ما يجب مراعاته مستقبلاً أنه ينبغي إلا تكون قوات قطاع الشمال مفصولة. عموماً.. إن أهم قضية هي الاعتراف بخصوصية جنوب كردفان والحكومة تقر بذلك، وبالتالي فلا حرج في أن يطرح الوفد التمييز الايجابي. نقلا عن صحيفة الرأي العام 27/2/2014م