رائد صالحة: واشنطن‘القدس العربي': وسط تصاعد التوتر بين موسكو والغرب بشأن شبه جزيرة القرم حشدت القوات الروسية الجوية والدفاعات الساحلية اكثر من الف صاروخ ودبابة ضمن مناورة بالذخيرة الحية تستمر لمدة شهر في منطقة كابوستن بار والتى تبعد 450 كيلومترا عن الحدود الاوكرانية وتعد موطنا لواحدة من أكبر قواعد الصواريخ الروسية. ووفقا لمصادر استخباراتية فان المناورة ستغطى الشهر الجاري بالكامل وستستمر حتى اوائل الشهر القادم بما في ذلك يوم الاستفتاء الشعبي على مصير شبه جزيرة القرم في يوم 16 آذار/مارس والذي من المتوقع ان يشهد تداعيات اثر اعلان شبه مؤكد بانضمامها رسميا للاراضي الروسية . وتهدف تلك المناورات والتدريبات اضافة الى نشر أنظمة الدفاع الجوي الى الاستعداد، حسب الحسابات الروسية ، لاحباط أية محاولة اوكرانية او غربية لعرقلة طلب شبه جزيرة القرم المتوقع للانضمام رسميا الى الاتحاد الروسي، وسيتضمن الاستفتاء الذي يستهدف اكثر من 3 ملايين مواطن في شبه جزيرة القرم 65 في المئة منهم من أصل روسي الاجابة بنعم او لا بشكل مباشر على سؤال محدد حول ما اذا كان المواطن يرغب ببقاء الجزيرة كجزء من اوكرانيا او الانفصال الى روسيا، ومن الواضح ان مستقبل المنطقة عبر الاستفتاء ليس من الصعب التنبؤ بنتائجه . وقد أعلن البرلمان الروسي من جهته التصويت على مشروع قانون يضمن ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا الاتحادية بناء على طلب الاغلبية يوم 21 اذار/ مارس ، وكان الرئيس الامريكي باراك اوباما قد قال للرئيس الروسي فلادمير بوتين ان الاستفتاء يشكل انتهاكا للقانون الدولي مرددا تصريحات مشابهة لزعماء الدول الاوروبية، وبعد فرض الولاياتالمتحدة عقوبات على الافراد المتورطين في التحريض على انفصال شبه الجزيرة عن اوكرانيا حث اوباما الروسي على الغاء الاستفتاء وعودة القوات الروسية الى قواعدها الا ان بوتين رد بالقول بان قرارات حكومة كييف غير شرعية وانه يقدر أهمية العلاقات الروسية الامريكية للامن الدولي الا انه لا ينبغى التضحية بهذه العلاقات الثنائية من اجل أفراد . ووصف الكولونيل اوليغ كوتشتكوف من قيادة منطقة كابوستن يار الانتشار العسكري الروسي بانه الاكبر من نوعه حتى الان لوحدات الدفاع الجوي في المنطقة العسكرية الغربية من روسيا وقال :' لاول مرة ، تجتمع جميع وحدات الدفاع الجوي'. وتتضمن المناورة الروسية الضخمة تمرينات حية لصواريخ ارض جو ‘اس.300′ طويلة المدى وصورايخ ‘بوك .ام . 1 ‘ المتوسطة المدى وصورايخ ‘ ستريلا 10 ‘ قصيرة المدى. ووفقا لمصادر عسكرية فان منطقة كابوستن بار تعتبر موطنا لواحدة من اكبر قواعد الصواريخ الروسية ، وقد شهدت اختبار يوم 3 شباط الجاري لنظام جديد للصواريخ المضادة للطائرات يدعى ‘ اس . 500 ‘ وتجارب لاطلاق ‘ ار .تي تو.بي.ام توبول'. هذا الزخم العسكري الروسي ووفقا لتقارير عسكرية يأتى كرد جزئي على الخطوات العسكرية التى أعلنها البنتاغون خلال الايام الماضية والتي تضمنت عبور حاملة الطائرات ‘ تراكستون ‘ المدمرة الى البحر الاسود للمشاركة في مناورة بحرية مع رومانيا وبلغاريا، والاعلان عن خطط لوضع مقاتلات امريكية من طراز ‘ اف. 15 ‘ في مهمات جوية فوق دول البلطيق استونيا ولاتفيا وليتوانيا أضافة الى ارسال 12 مقاتلة امريكية الى بولندا كما يتم التخطيط الى اجراء المزيد من المناورات العسكرية الامريكية في مناطق حول روسيا. وقد صعدت موسكو من حدة التوتر الدولي في اوكرانيا بعد يوم واحد من انطلاق هذه المناورات عندما أعلنت ان وزارة الدفاع الروسية تدرس مسألة وقف زيارات فرق المفتشين الامريكيين لروسيا في اطار التزاماتها بموجب معاهدة الحد من الاسلحة الاسترتيجية الهجومية لعام 2010 المعروفة باسم ‘ ستارت 3 ‘ واتفاقية فيينا لعام 2011. وتعتقد تقارير استخباراتية وعسكرية ان هذا الاعلان هو ايذان بعودة الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوروسيا بعدما كان التوقيع على المعاهدة الاولى لستارت في عام 1991 هو اعلان بالنهاية التاريخية للحرب الباردة وتفكك الامبراطورية السوفياتية. وقد جدد الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس الروسي السابق ديمترى ميدفيديف نصوص الاتفاقية الاصلية ولكن الرئيس الحالي بوتين يهدد الان بالتنازل عن اتفاق عمره 23 سنة محذرا الولاياتالمتحدة والغرب ان موسكو مستعدة للعودة الى المواقف العدوانية التى احتفظ بها الاتحاد السوفيتي في سنوات الحرب الباردة اذا لم تتراجع بشان فرض اجراءات عقابية جراء الازمة الاوكرانية . من جهة اخرى تساءل عدد من المحللين والخبراء في واشنطن عما اذا كانت الولاياتالمتحدة قد تخسر الحرب الباردة مع روسيا بالقول ان باراك اوباما وبوتين انخرطا في سلسلة من المعارك السياسية في الشؤون الخارجية بانتصار واضح للرئيس الروسي، وجاء في تقرير لصحيفة ‘ ذا هيل ‘ ان الهدف الرئيس لبوتين واضح تماما وهو تاكيد نفوذ روسيا في اوروبا الشرقية وصد محاولات الناتو بالتوسع تجاه روسيا كما ان المعركة الدبلوماسية حول سوريا في عام 2013 والصدام العسكري مع جورجيا في عام 2008 منحت الرئيس الروسي الشعور بالثقة في غزوه لشبه جزيرة القرم حيث تدخل بوتين في جورجيا دون التعرض لتداعيات خطيرة. وفي اب/اغسطس الماضي حشرت موسكو أنفها في الشأن الامريكي الداخلى عندما استضافت ادوارد سنودن العميل السابق لوكالة الامن القومي الامريكي بعد تسريبه معلومات سرية للصحافة، وفي ايلول/سبتمبر الماضي ضغط بوتين على الولاياتالمتحدة ودفعها للتراجع عن توجيه ضربات عسكرية ضد الدكتاتور السوري بشار الاسد من خلال التوسط في اتفاق باللحظة الاخيرة لتدمير الاسلحة الكيمائية في سوريا مما عزز سيطرة الاسد على البلاد . وقال مشرعون وخبراء في العاصمة الامريكيةواشنطن انه اذا لم تكن ادارة اوباما وحلفاؤها في اوروبا فعالة في التصدي مع بوتين في هذا الوقت فان ذلك يعنى عواقب وخيمة تمضى قدما في الظهور، والمخاطر تتجاوز بوتين حيث تراقب الصين عن كثب ما يجري ويمكن ان تصبح اكثر حزما في حل نزاعاتها الاقليمية مع جيرانها وخاصة في نزاعها مع اليابان حول مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي اذا شاهدت تراجعا غربيا عن صد روسيا . ويعتقد هؤلاء ان الصين لن تهدر الوقت في ‘ التفكير ‘ في خطواتها في المستقبل اذا لم تتخذ الولاياتالمتحدة اجراءات صارمة ضد روسيا بناء على فرضية ‘ انظروا ..واشنطن لن تتخذ أية أجراءات كردة فعل ‘، وهكذا تستفيد بكين من الوضع وتحاول فرض سيطرتها على مواقع النزاع . وجاء في تقرير الصحيفة ان بوتين يرى في الرئيس اوباما زعيما ضعيفا وان سياسته المتمهلة ساذجة للغاية ولكن الادارة الامريكية الحالية تحول دفع هذه الانتقادات الى الوراء عبر استعراض عسكري للقدرات الامريكي في المنطقة وفرض عقوبات وقيود على منح التأشيرات للقادة الروس، ولغاية الان لم تفلح هذه الجهود عن تحقيق اي شئ يذكر لكبح جماح روسيا .