في السياسة، وفي الحياة، توجد قاعدة ثابتة ليست هنالك خصومة دائمة، أو خلاف أو تباعد إلى ما نهاية، وفي السياسة السودانية نشبت خلافات ونزاعات، جانب خشن وآخر ناعم، وحاد ومرن، ولكن الحكمة السودانية سادت في أحيان كثيرة وتراجعت الإحن، وتقاربت الأمور في اتجاه ما هو مطلوب، ولقد شهدت الساحة السياسية في حقبة الخمسينات، خلافاً حاداً في الحزب الوطني الاتحادي، "حزب الحركة الوطنية" وأدي إلى شرخه وانقسامه إلى جناحين "الوطني الاتحادي" و"الشعب الديمقراطي" الأول برئاسة إسماعيل الأزهري والثاني برعاية سيادة مولانا علي الميرغني، وتبادل رموز "الجناحين" أو "الحزبين" الاتهامات واللعنات والكلمات الحادة، ولكن "الكبار السيد" الميرغني" والرئيس الأزهري ظلوا بمنأى تماماً عن هذا السلوك والشطط وعندما تدخل الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في زيارة الخرطوم في حقبة الستينات وتمني عليهما الصلح والمصالحة والتوحد من أجل السودان ومن أجل العلاقة الأخوية مع المملكة العربية السعودية ولتحقيق الاستقرار لكليهما، وتمت الموافقة بحضور السيد محمد عثمان الميرغني في العمارات، وطلب الملك فيصل الانتقال إلى السيد علي الميرغني في مقره بحلة خوجلي ببحري، وعندما علم السيد علي الميرغني بهذه التطورات انتقل إلى مقره بالخرطوم "جنينة السيد علي الميرغني" احتراماً لمبادرة الضيف الملك فيصل، وتقديراً للرئيس الأزهري، فالعفو والتسامح متبادل، وجدت ذات التوافق في المصالحة بين جناحي حزب الأمة، جناح الإمام الهادي المهدي وجناح السيد الصادق الهادي المهدي وتم اللقاء في مقر الإمام الهادي المهدي تقديراً لمكانته المزدوجة، ويمكن أن نسوق نماذج ووقائع أخرى، ونشهد للرئيس عمر البشير أنه في ذروة الخلاف مع الدكتور حسن الترابي رئيس المجلس الوطني آنذاك 1999م، لم تصدر منه كلمة أو إشارة سالبة، أقصي ما أفضي به وهو يتحدث للمواطنين عن صراع السلطة، وعن حسم صنع القرار قوله "يا جماعة المركب في البحر إذا قادها رئيسان غرقت"! أما الدكتور حسن الترابي فلم تنقل منه أو ينسب له عن الرئيس عمر البشير سوى قوله "إنه كان فالاً حسناً، أو هبة طيبة على حكم الإنقاذ". وعندما أحاطت المخاطر والمهددات الحقيقية بالوطن ووجوده وحاضره ومستقبله واستشعر الجميع حجم الخطر الماثل الذي إذا انفجر "ما سمح الله" أضاع الجميع، وانطلقت تباشير التقارب والتواصل والتفاهم مع ضرورة الحوار الوطني لتحقيق الوفاق الوطني الشامل، والتقي الرئيس عمر البشير رموز السودان، السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والقيادات السياسية لأهل دارفور، وبقيادة الحزب الناصري، ونقلت وسائل الإعلام المرئية والسمعية هذه اللقاءات وقد جلس الرئيس البشير في موقعه الصداري المعتاد والحضور على الجانبين، يمينه ويساره إلا في حالة لقائه الدكتور حسن الترابي رئيس المؤتمر الشعبي فجاءت الجلسة أو اللقاء في شكل مغاير تماماً، حيث جلس الرئيس عمر البشير وعلي يمينه الدكتور حسن الترابي وعن يساره نائبه الأول الفريق بكري حسن صالح، واللقطة تنطق بدون إفصاح، لأن دلالة على الاحترام المتبادل وأن مكانة الدكتور الترابي كمفكر إسلامي له دوره وتأثيره المباشر لا تزال محفوظة، برغم كل خلاف، ويكفي تجاوبه مع مبادرة الحوار الوطني والتوافق على "الثوابت" أو "الاجتهادات" التي تؤمن سلامة الوطن وتوحيد جبهته الداخلية. السودان لا يزال في خير وسلام بإذن الله، ولا يزال الرموز الكبار يتعاملون بسلوكيات وإرث وتقاليد الكبار الذين سبقوهم في العمل الوطني. ونذكرهم جميعاً الوطن فوق الجميع. نقلاً عن صحيفة التغيير 2014/3/16م