لم يكن للحركة الشعبية منطقا سياسيا جديرا بالاحترام حين تمترست الاسبوع الماضي وراء امكانية تأجيل الانتخابات الوشيكة دون المساس بموعد الاستفتاء!! فعلاوة علي أن هذا الموقف مختل علي اعتبار أنه بمثابة تجزئة غير عادلة مطلقا لبنود اتفاق نيفاشا 2005 حيث تطالب الحركة بتنفيذ بند وترك بند اخر دون ان توضح ما هي أهمية انفاذ هذا البند وترك ذاك فان الحركة الشعبية أفرغت المعادلة بكاملها من مضمونها ذلك أن الحكمة التي أرادها الطرفان عند اتفاقهما علي بنود نيفاشا عام 2005 هي أن يجري الاستفتاء عقب انتخابات عامة تكون فيها السلطة في البلاد شمالا وجنوبا مركزيا وولائيا سلطة مسنودة جماهيريا لأن عملية الاستفتاء عملية استراتيجية خطيرة قد تترتب عليها عملية انفصال وقيام دولة جديدة ولابد أن يتم ذلك في وجود حكومة مغطاه بغطاء شعبي واضح قطعاً لأي طريق للاحتجاج السياسي مستقلاً لمن يمكن أن يدعي ان العملية تمت بمعزل عن الارادة الشعبية السودانية بكاملها. ولهذا فان حديث قيادة الحركة الشعبية عن تأجيل الانتخابات العامة- بصرف النظر عن الأسباب والمسوغات-واصرارها في الوقت نفسه علي قيام الاستفتاء في موعده انما يستنتج منه شئ واحد فقط وهو أنها مهتمة فقط بالاستفتاء لكي يتقرر انفصال الجنوب ومن ثم تكون قد أغضيت عملياً من تعقيدات الانتخابات ونتائجه الوخيمة عليها. ولعل الحركة الشعبية بموقفها هذا تسعي لاحداث (هزة) عنيفة في اتفاق نيفاشا وبلبلة تسبق الانتخابات عسي ولعل أن تقود عمليا الي التأجيل! ذلك أن المدة المتبقية لم تعد تتجاوز الأسبوع الواحد واذا تم التأجيل فان هذا سوف يقتضي عمل جدول جديد للاستفتاء وليس من العدل أن تحتفظ الحركة باستفتائها وتتلاعب بالانتخابات. ان ممكن الازمة هنا هو أنها تسعي لتعديل اتفاق نيفاشا 2005 في ظروف حتي ولو كان التعديل ممكناً الا أنها ظروف غير مواتية وقاسية للغاية. ولعل أكثر ما يجعل الحركة الشعبية تقف هذا الموقف بعد أن كانت راضية بمجريات العملية الانتخابية ظهور مؤشرات يصعب تجاهلها من تصاعد حظوظ المرشح الرئاسي للوطني في الجنوب بأكثر من حظوظ مرشح الحركة . وفي الوقت نفسه تزايد فرص المنافس الاوحد للفريق كير علي رئاسة حكومة الجنوب الدكتور لام أكول أجاوين. هذين العاملين لعبا دوراً سريعاً في جعل الحركة تبدل موقفها سريعاً وتنضم الي الداعين لتأجيل الانتخابات. ويتعجب المراقبون غاية العجب من اصرار الحركة علي تأجيل الانتخابات وتقديس ميعاد الاستفتاء اذ لا معني لتقديس الاستفتاء واذدراء ميعاد الانتخابات علي هذا النحو ففي السياسة فان كل طرف عليه أن يقدم التنازل المعقول لكي يحصل علي تنازل معقول من الطرف الثاني وليس هنالك منطق في التمترس وراء موقف والتصلب حياله في الوقت الذي تريد من الاخرين الاستجابة لطلب!