في اجتماع الايقاد الذي جرى مؤخراً في العاصمة الكينية نيروبي والخاص بمراجعة اتفاق السلام الشامل في السودان الموقع في نيفاشا ع2005ام، قال النائب الأول للرئيس السوداني الفريق أول سلفاكير ميارديت الذي يترأس حكومة جنوب السودان ويتزعم الحركة الشعبية ان حركته (لا تقبل تأجيل الانتخابات على حساب الاستفتاء المقرر لجنوب السودان في الع2011ام). والواقع أن هذه العبارة المضغوطة – اذا جاز التعبير – حملت دلالة قاطعة وواضحة على أن الحركة الشعبية وان سايرت قوى جوبا في طلب تأجيل الإنتخابات – سواء مجاملة منها لهم أو لحاجة في نفسها – لم تكن بحال من الأحوال جادة في هذا المطلب، لأن تأجيل الإنتخابات اذا قُدر له أن يحدث فهو بالضرورة يستلزم تأجيل الاستفتاء وطالما أن الفريق كير قطع باستحالة قبول حركته ومواطني الجنوب بتأجيل الاستفتاء، فإن هذا يعني – بمفهوم المخالفة وبالضرورة – استحالة تأجيل الانتخابات. ولعل هذا هو مربط الفرس في قضية تأجيل الانتخابات، فهي من شأنها أن تحدث هزة واختلالاً واضحاً في الجداول الزمنية وبنود إتفاقية السلام وهذا بالطبع ليس من مصلحة العملية السلمية بأي حال من الأحوال. واذا كانت الحركة الشعبية (تشتهي) وتتمنى أن تؤجّل الانتخابات مع الاحتفاظ بعملية الاستفتاء في مواعيدها المحددة فإنها دون شك تكون حالمة ومخطئة، لسبب بسيط للغاية، يتمثل في أن الحكمة التي أرادها الطرفين عند التوقيع على اتفاق نيفاشا ع2005ام من وراء إقامة الانتخابات أولاً، ثم تعقبها عملية الإستفتاء هو أن يتم الاستفتاء في ظل حكومتين منتخبتين في الشمال (على المستوى المركزي) وفي الجنوب (على المستوى الاقليمي) وفي ظل وجود شرعية جماهيرية لكافة مستويات الحكم حتى تكون أي نتائج تترتب على الاستفتاء مبنية على تفويض شعبي يقطع أي مجال للجدل أو التشكيل في مشروعية الاستفتاء، ولهذا فإن اقامة الاستفتاء قبل اجراء الانتخابات (كما تحلم بذلك الحركة) هو بالضبط من قبيل وضع الحصان وراء العربة وهو أمر يخالف اتفاقية السلام، ويخالف المنطق السياسي للعملية برمتها. صحيح أن الحركة الشعبية – لأسباب معلومة تخصّها – زاهدة كل الزهد في العملية الانتخابية وصحيح أيضاً أن فرصها في احراز نتائج مقدرة ضعيفة ولكن هذا لن يبرر مطلقاً حصولها على (جائزة) كهذه تكون قد أهدرت بها ست سنوات من عمر السودان هباءً. اذن لا مجال لتأجيل الانتخابات بمنطق الحركة نفسه، ولهذا فإن السؤال الذي ينبغي أن تسأل الحركة عنه هو لماذا إذن تزايد مع المزايدين من قوى جوبا وغيرهم على التأجيل؟!