لا يمكن تفسير تصرفات الحركة الشعبية حيال عملية الاستفتاء هذه الايات لا بكونها عمليه (فقدان للثقة في نفسها) اذ لا يزال الامر غريبا والسؤال قائما: ما سر اصرار الحركة الشعبية علي عدم تأجيل الاستفتاء؟ هذا السؤال سيظل يحمل في طيات الاجابة عليه علامات تعجب واستفهام بالغه الغرابة فمن قبل تأجيل عشرات البنود الواردة في اتفاقية السلام الشامل ومن قبل درج الشريكين علي التوافق علي أي امر مهما كان صعبا التوافق حوله فيا تري ما الذي استجد الان. لقد ملأت الحركة الشعبية العالم بأسرة ضجيجاً ما تركت دولة ولا اتحاداً ولا محفلا دوليا الا واشتكت اليه من أمر لا يستحق كل هذه الضجة غير أن ما جعل الحركة الان تخفض صوتها وسيجعلها – أو ربما جعلها تقبل بالتأجيل فعلياً – هو أنها أولاً: ليس لها منطق في قيام استفتاء مشوب بعيوب ادارية واجرائية فالعالم لن يقبل به والمواطنون السودانيون لن يقلبوا به والقوي السياسية نفسها – حتي حلفاء الحركة لن يقبلوا به – اذن لا مجال ولا سبيل غير القبول بالتاجيل لانه – ببساطة شديدة تأجيل اداري وليس تأجيل سياسي. ثانيا: سيظل هناك سؤال يقف قبالة الحركة وهو اذا كانت حريصة علي هذا الاستفتاء وحده منذ أن دخلت في اتفاق السلام الشامل لماذا لم تعد ذات الحرص والاصرار علي انشاء مفوضية الاستفتاء في مواعديها قبل نمو عامين – حتي تستطيع المفوضية انجاز العملية في مواعيدها المقررة؟ بمعني أوضح لماذا بقيت الحركة كل هذه الاشهر وهي صامته وتأتي الان والمفوضية عمرها لم يتجاوز الشهر لتطالب بأن تقام عملية الاستفتاء دون تأخير؟ هل هذا الاصرار له ما يسنده وهل هناك من عاقل يقف مسانداً للحركة في موقفها هذا. من جانب ثالث- وهذه هي النقطة المحورية – فان تأجيل الاستفتاء لن يكون هو نهاية الدنيا ولا ندري ما طبيعة المخاوف التي تكمن وراء موقف الحركة هذا فاذا كانت تخشي من أن يتبدل رأي مواطنيها وتتغير قناعاتهم فهذا أمر عليها أن ترتضيه علي اعتبار أن المواطنين لهم مطلق الحرية في اتخاذ المواقف التي يريدونها. واذا كانت تري أن في تأخير الاستفتاء (مماطلة) من حكومة الشمال ربما تصل الي حد الرفض فان هذا مستحيل لأن الشمال قبل انقاذ جزء كبير جداً من بنود اتفاق السلام وما تبقي لن يضيره بشئ كما أنه لا يرغب في العودة الي الحرب وعدم وفائه ببند الاستفتاء ربما يقود للحرب اذن ليس عاقلاً من يعتقد أن تاجيل الاستفتاء ربما يتسبب في تغيير قناعات واراء الجنوبيين او يجعل من عملية الاستفتاء نفسها مستحيلة.