على الرغم من أن المفوضية القومية قد حسمت أمر إجراء الانتخابات القومية السودانية في موعدها المحدد، فإن الغموض واللبس مايزالان يهيمنان على الساحة السودانية، ومستقبل السياسة السودانية في الفترة الراهنة والمقبلة، وإزاء هذا الالتباس، ظلت مواقف المعارضة السودانية تتأرجح مثل بندول الساعة، أو مثل مرجيحة الأطفال التي يجد فيها من يملكها السلوى والسلوان ويجد فيها من يفتقدها منهم التعاسة، والشقاء والشؤم والألم، والأنين بإعلانها وتأكيدها بالأمس أن الانتخابات القومية سوف تجرى في الحادي عشر من أبريل الجاري، قطعت "جهينة" المفوضية القومية للانتخابات قول كل خطيب ومعارض للانتخابات السودانية التي أثارت جدلاً وحجاجاً منقطع النظير.. وأفرزت مواقف حادة جعلت جل المعارضة تطالب بتأجيل موعد إجراء الانتخابات إما إلى نوفمبر حسب آراء بعض قادة تحالف جوبا، أو تأجيلها إلى شهر مايو بحسب الشروط الثمانية التي دبجها حزب الأمة القومي. اللافت في مواقف المعارضة السودانية، أن الشيخ الترابي الذي كان ضمن أعمدة تحالف "جوبا" تخلى عن حلفائه الجدد وانضم إلى حليفه السابق "حزب المؤتمر الوطني" بالمطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها منتهجاً ومستخدماً استراتيجيته القديمة "القضاء على الحليف" التي تم استلالها جهراً من أفكار ميكيافيللي والتي يقول فيها: "إذا طلبت من فئة سكانية في حالة الأزمات، وتحقق بعد ذلك انتصارك وانتهاء الأزمة، فهناك مشكلة جديدة، فحلفاؤك أصبحوا شركاء، فلابد لك من القضاء الكامل على الحليف، لأن خطوة الحليف القادمة إما الشراكة أو خلعك من سلطاتك". الشروط التي حددها الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة مقرونة بالشروط الأخرى التي حددتها واشترطتها المعارضة لتأجيل الانتخابات مقبولة لدى الكثيرين من الساسة والمتابعين، لكنها أتت متأخرة دهراً.. لأن المعارضة السودانية لم تستطع طيلة العشرين سنة الماضية أن تتعاطى مع الأوضاع السياسة التي أدارها ويديرها المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس البشير، فاستطاعت "الإنقاذ" منذ بواكير عهدها أن تعمل على خلخلة المنظومة السياسية في السودان، فاستقطبت بعضهم عن طريق المنافع المادية والمكاسب الرمزية، وفتتت الأحزاب التقليدية الكبيرة الراسخة، بالدهاء طوراً، وبالإغراء أطواراً أخرى. الانتخابات في معظم الدول النامية نجدها مشوبة بالشك والارتياب في صدقيتها ونزاهتها، وتحويرها، وتحويلها لمصلحة الحزب الحاكم، والسودان ليس استثناء.. فقد لاحظ المراقبون وجود اختلالات واختلافات في منح الفرص المتساوية للمرشحين لرئاسة الجمهورية والدوائر النيابية الأخرى في وسائل الإعلام. وللتعامل مع الأمر الواقع الذي فرضه واقع الحال وأيدته الإدارة الأمريكية، والدول الغربية، يتحتم على المفوضية القومية للانتخابات أن تؤدي واجباتها بكفاءة عالية بلا محاباة أو معاداة لأي من الأطراف.. ويتوق السودانيون إلى قيام انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ترتقي بالوطن إلى مراقي المجد المحفوف بالمنى. إننا نتوق إلى انبلاج فجر جديد يشرق فيه الأمل ريمحي منه الألم، تتصاعد فيه رايات الاستقرار وتهبط منه إشارات الفوضى والخراب والعنف، وإلى أجواء يتوجب فيها احترام وتقدير الآخر وتسطع في فضاءاته ألوان البهجة والمحبة والحبور والسرور.. وإلا فإن الغموض سوف يفجر العواصف الهوجاء. المصدر: الشرق القطرية 4/4/2010