اطلعت على البيان الصادر من بعض الاحزاب المعارضة ، وهي تعلن مقاطعتها للاجتماع التشاوري حول مؤتمر الحوار الوطني ، الذي يعقد اليوم بقاعة الصداقة. قبل مناقشة هذه الفكرة التي عبرت عن الموقف الرافض للحوار، لابد من مطالبة هذه المجموعة بالتنازل عن اسم "قوى الاجماع الوطني". مصدر المطالبة سياسي وأخلاقي معا. كما ان الحكومة سلطة سياسية واخلاقية تخضع لمحاسبة ومراجعة الرأي العام، فكذلك المعارضة سلطة موازية تنطبق عليها ذات المواصفات وتحتكم على ذات قواعد القياس السياسي والاخلاقي. اذ كان مقبولا من المعارضة ان تطالب الحكومة القائمة الآن بالتنازل عن السلطة، لعدم مشروعية الوصول اليها، فمن حق اي جهة اخرى الحكومة او غيرها، أن تطالب الاحزاب المعارضة بالتنازل عن اسم "قوى الاجماع الوطني" لعدم اسيفائها شروط الاجماع. كيف يمكن اعتبار احزاب البعث والناصريين والمؤتمر السوداني والحزب الشيوعي وفاروق ابو عيسى تمثل اجماع الشعب السوداني، والاحزاب الكبرى (الامة، والاتحادي والوطني والشعبي، ومجموعة الاحزاب المسجلة) خارجة عن الاجماع. بمنطق حسابي بسيط الاحزاب التي ستشارك في الحوار، كانت تمثل اكثر من 90% في آخر جمعية تأسيسية معترف بها من قبل الجميع، حاكمين ومعارضين. أما المجموعة التي تدعي تمثيل اجماع الشعب السوداني فهي لم تنل في ذات الانتخابات المذكورة من المقاعد في البرلمان ، ما يتجاوز اصابع اليد الواحدة! هذا لا يعني اقصاء الاحزاب المعارضة ، مهما قل عددها وخف وزنها باسقاطها من قائمة الاعتبار العام ، وتسفيه رؤاها، وتهميش دورها في البناء الوطني. مقولة معبرة قالها مهاتير محمد : "نحن في حاجة الى المعارضة، لكي تذكرنا ان وقعنا في خطأ، فعندما لا يوجد هناك من يعترض على ما نفعل، سنقع في فخ الاعتقاد ان كل ما نفعله صحيح". في ذات السياق لا يحق للقوى الرافضة للحوار ان تعتبر موقفها معبرا عن قوى الاجماع الوطني في السودان ، عليها اختيار اسم اخر يوافق مقتضى الحال وطبيعة الكيان. * رفض الحوار من حيث المبدأ موقف عبثي كسول! * تحويل الاجندة التي من المفترض ان يتناولها الحوار الى شروط استباقية موقف متعسف وغير منطقي يصعب تسويقه للرأي العام! كان على القوى المعارضة التي اصدر البيان باسم قوى الاجماع الوطني ، أن تطرح تصورها لتهيئة بيئة الحوار من داخل اللقاء التشاوري، او في الحوارات الابتدائية. الحوار وسيلة حضارية للوصول لاتفاق بطرق سلمية، كان من المقبول المشاركة في الحوار واعلان الرفض وابداء التحفظ على النتائج اذا لم تكن مرضية. ستكون الحكومة قد اهدرت الفرصة الاخيرة في الوصول لتوافق وطني لا على اقتصاد المقاعد، ولكن على تراض وطني، يؤكد على سلمية الممارسة السياسية، اذا اعتبرت مؤتمر الحوار امتدادا لمؤتمراتها السابقة كنانة واخواتها! ما يدفع للتفاؤل وحسن الظن بأن هذا المؤتمر سيختلف عن سابق المؤتمرات، اعلان الحكومة انها ستدخل للحوار دون ثوابت وبلا سقف. سينجح المؤتمر اذا احتكم المتحاورون الى قاعدة ذهبية عبر عنها الرئيس الامريكي السابق جون كنيدي: "ان لم نستطع ان ننهي خلافاتنا الآن، فيمكننا على الاقل المساعدة على ان يكون العالم مكانا آمنا للإختلاف".