* ما الذي يلفت انتباهك في البرنامج السياسي العام؟ - للأسف الشديد، الخطاب السياسي به إفلاس شديد، بإستثناء بعض الأصوات، لكن قادة الأحزاب الكبيرة يحمل خطابهم السياسي إفلاساً شديداً وبثاً لثقافة الكراهية وتحريضاً.. بعض الحديث يدفع الشخص إلى أن يغلق أذنيه حتى لا يسمعه!! { المعارضة تطرح برنامج تغيير شامل عنوانه «إسقاط المؤتمر الوطني»؟ - هزيمة المؤتمر الوطني تصلح كشعار فقط، وليس كافٍ، لأن إزاحة أي نظام فقط ليس هو المطلب، فسياد بري كان حاكماً ظالماً وباطشاً تمت ازاحته في الصومال، ولكن ماهي نتيجة إزاحة سياد بري من دون بدائل؟ هي الحرب الصومالية المشتعلة حتى الآن. { يلاحظ تراجع القضايا الإسلامية في البرنامج الإنتخابي للمؤتمر الوطني؟ - هي تحققت ولم تتراجع، فالشريعة طبقت بالفعل، فالنظام التعليمي يضم الآن كلياتٍ عديدة للشريعة الإسلامية والقانون، وتخرج أجيالاً عديدة، والثقافة القانونية تغيرت، واصول الاحكام القضائية ترجع للشريعة الاسلامية، لكن هنالك اشكالات كبيرة تتعلق بالنظام المصرفي والاقتصادي، الا أن العقل السياسي الانتخابي لا ينتبه لهذه القضايا ولا يفقه فيها، هنالك مفارقات كبيرة في الخطاب السياسي، بسبب الجهل والأمية، فالثقافة السياسية بالبلاد عشوائية، الآن إذا ابتعدت عن قشور الأحزاب كلها ستجد أن الصراع الحقيقي هو صراع بين كيانات قبلية وجهوية وعنصرية، وليس بين قوى سياسية، ومن ذلك يمكن أن أقدر أن الخطاب السياسي في هذه الانتخابات يقسم بنسبة 20% الى كاريزما الشخص المرشح، و20% لوزنه القبلي و20% لإمكانياته المادية، و15% تذهب الى من يسانده من الاحزاب. { برأيك ألا تعتقد تجربة «الإنقاذ» أضرت بمشروع الدولة الإسلامية؟ - الرؤية النقدية مهمة جدا لأي مشروع، لكني أستغرب أن الاحزاب لم تستطع أن تستثمر القوى الاحتجاجية الكبيرة في المجتمع السوداني لإحداث التغيير، فالعطالة من الخريجين بأعداد كبيرة والريف يواجه مشكلة كبيرة في الزراعة..لكن الأحزاب قديمة ومتهالكة وتشهد توتراتٍ كبيرة داخلها، ويؤكد ذلك أن خياراتها ضعيفة في تسمية مرشحيها لمستوى رئاسة الجمهورية. { هل تتوقع تأجيل الانتخابات؟ - من الصعب التأجيل، لأن الشعب كله بات في حالة ذهنية ونفسية في اتجاه الانتخابات، فقد حصلت تعبئة كبيرة وصرفت أموال كثيرة، إضافة الى أن العالم كله ينظر الى قيام الانتخابات في موعدها، وهي ايضا تنفيذ لتعهدات سياسية في اتفاقية السلام شهدت عليها كافة دول العالم، وبالتالي فإن الإنتخابات أهم مشروع سياسي في السودان، وطلبات التأجيل وصلت متأخرة جدا، وأتصور أنه من الصعب حصول ردة عن الإنتخابات. { رغم أن الأحزاب ما تزال مصرة على مسألة «التأجيل»؟ - لا أدري لماذا الأحزاب يائسة من الانتخابات، فبعض مايرشح الآن من معلومات، يكشف أن الأحزاب ستفوز في مناطق مختلفة، وسيكون لديها مشاركة مقدرة، قد ترى بعض الأحزاب ان الانتخابات لن تحقق وزنها الذي تستحقه. { لكن بعضها قرر الانسحاب والبعض الآخر أعلن المقاطعة الجزئية؟ - من الواضح أن القوى السياسية لا تثق في بعضها البعض، والدليل على ذلك أن حزب الأمة رغم توحد مكوناته الا أنه لم يسفر عن انسحاب الصادق المهدي لمبارك الفاضل أو العكس( أجريت المقابلة قبل انسحاب مبارك الفاضل)، كذلك فإن المؤتمر الشعبي يدعو الى استراتيجية «تشتيت الأصوات» ولكن رجله الأول لم يرشح في الدوائر الإنتخابية، ورأى ترشيحه في القائمة النسبية، وبذكائه رأى أنه من الافضل أن يتجه نحو البرلمان ليصبح زعيماً للمعارضة، ويترك كافة الزعامات الأخرى الى منافسة عمر البشير، وهي منافسة خاسرة، وكل ذلك يوسع من دائرة الشقاق بين أحزاب المعارضة، فالسياسة لكل حزب أجندته. لا يمكن أن أتصور أن ينسحب حزب مثل الاتحادي الديموقراطي، لان لديه وضع مميز في بعض من الدوائر .. لكن ربما أن الصادق المهدي لم يتمكن من اعداد العدة الكافية لخوض الإنتخابات وبالتالي يعتقد إنه لن يحقق الوزن الذي يستحقه. { ألا ترى أن مبررات المعارضة تستدعي التأجيل؟ - حتى لو كانت ترقى لذلك فالوقت قد مضى، فالقطار عندما يتحرك من الصعب إعادته الى المحطة الاولى، وفي العالم الثالث لا يمكن أن تخلو إنتخابات من نواقص ومكدرات، ولكن حسب التقارير الوافدة والراشحة فإن الانتخابات ستكون ذات مصداقية حتى وإن لم ترقَ الى مستوى الانتخابات في اوربا وامريكا، بمعنى أن التقارير تكشف أن هنالك تحولاً كبيراً، ولا مجال هنا للحديث عن تسجيل او عدم تسجيل، فعدد المسجلين أكثر من 16 مليون.. مثلا، إذا صوت 10 مليون فقط وحصل مرشح الرئاسة على 5 مليون+ 1، يعني ذلك أن 12% من السكان يؤيدون المرشح، فذلك يؤشر الى تحول كبير. في الحقيقة أنا استغرب إذا فاز البشير، أين ذهبت الاصوات الاحتجاجية؟!! رغم أن البلاد تنضح بإضرابات الاطباء وإنتقادات الصحف وحملات المرشحين للرئاسة. إذا فاز البشير، هذه رسالة قوية بأن هنالك تحولاً كبيراً في السودان (ديموغرافي وسكاني وعقلي وروحي) ، مهما حاولت أن تقلل من قيمة هذا الفوز. { إذن لا تتوقع أن يخسر البشير أمام أحد المرشحين للمنصب؟ - نعم..... سيظل البشير على مستوى الرئاسة، ولكن بصلاحيات منقوصة، بمعنى انه لن يكون القائد العام للقوات المسلحة، وانما القائد الأعلى فقط، وليس الذي يعين الولاة، هنالك ولاة سيكونون خارجين عن طاعته، وهنالك برلمان شبه متمرد وسيواجه فيه بصعوبات كبيرة، لكن مما سيساعده أنه سيكون متناغما مع أجهزة الدولة ولن يكون مثل سوار الدهب الذي حل جهاز الأمن مما سهل إنقلاب البشير في عام 1989م. الغرب سيصمت خلال الفترة المقبلة، وسيساعد ذلك عمر البشير، لأن الأولوية للغرب ليست الانتخابات أو ترتيب البيت السوداني وإنما إجراء الإستفتاء في موعده وتحقيق الانفصال، وبعد ذلك سيسفر الغرب عن وجهه الحقيقي في مواجهة البشير ودولة شمال السودان. { في ظل إرهاصات الإنسحاب والدعوة للتأجيل والتشكيك في نزاهة العملية، هل ستحقق الانتخابات شرعية لمن يفوز بها؟ - دائما الخاسر سيلقي اللوم على الآخرين، والخاسر دائما يلوح بقميص عثمان، والخاسر دائما يتعلل بأسباب غير موضوعية، وفي تقديري أن نتيجة الانتخابات ستكون مقبولة لأن هنالك رقابة دولية، ولأن العالم بدأ يفيق وخفتت العداوة الشديدة للسودان، وأعتقد ان النتيجة ستكون مقبولة في وسط البلاد وفي الشريط النيلي وكردفان وغيرها من المناطق، لأنها ستفرز قوى مختلفة، ولن يكون هنالك منتصر بشكل كبير، فالمؤتمر الوطني في طريقه لأن يصبح قائداً وليس حزباً مهيمناً، وحتى القوى التي لديها إنتقادات ليس لديها مليشيات الآن لاحداث اضطرابات أو احتجاجات عنيفة، لانها فشلت في الآلية العسكرية، والحركة الشعبية مشغولة بترتيبات الجنوب، بل قد تفاجأ في الانتخابات بالجنوب، لذلك كل طاقاتها ومخزونها سيكون مهتماً بتأمين الانتخابات في الجنوب.