استَخْدَمت ولا تزال الولايات المُتحدة "الطائرات من دون طيار" في حربها المزعومة ضد الإرهاب في أفغانستانوباكستان واليمن والعراق والصومال، فضلاً عن استخدام تلك الطائرات من قبل قوات الاحتلال "الإسرائيليّة" في تدمير المُمتلكات واستهداف الأشخاص في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، ومن هنا يثور التساؤل الآتي: ما هو موقف القانون الدولي من استخدام الطائرات من دون طيار؟، وهل يجوز استخدام تلك الطيارات بزعم الدفاع الشرعي الوقائي والحرب على الإرهاب؟ في البداية يجب الإشارة إلى تعريف "الطائرات من دون طيار" باللغة الإنجليزية بعبارة "UAVs" هي اختصار ل "Unmanned Aerial Vehicles"، وهي طائرة من دون طاقم طيران بشري، ويتم التحكم في هذه الطائرات إما جواً عبر الطائرة الأم، وإما عبر محطة أرضية من خلال مُتابعتها عن طريق الرادار، وإما عن طريق التحليق الذاتي عبر مُخطط طيران مُبَرمج مسبقاً في ذاكرة الطائرة من دون طيار . وهناك عددٌ من الاستخدامات والمهام التي تقوم بها الطائرات من دون طيار؛ حيث يمكن تحديدها في نوعين من الاستخدامات، الأول استخدامات مدنية، والثاني لأغراضٍ عسكرية، فأما الاستخدامات المدنية، فإن أبرزها هو التصوير التلفزيوني واستطلاع ومراقبة الحدود ضد المُتسلّلين والمهرّبين ورصد حالة الطقس . أما أبرز استخدامات الطائرة من دون طيار في المجالات العسكرية فتتمثّل في القيام بعمليات الاستطلاع الجوي، خاصةً فوق أرض العدو والاستطلاع التعبوي أثناء المعركة وتحديد إحداثيات الأهداف الحيوية، فضلاً عن إمكانية استعمالها كمحطة تشويش تعبوية، إضافة إلى استعمالها كقذيفة مواجهة "طائرة من دون طيار انتحارية"، واستعمالها كصواريخ موجّهة "مثل صواريخ كروز" . والمُعضلة الأهم في الاستخدامات العسكرية تتمثّل في أنّ الطائرات من دون طيار عند استخدامها في الحرب المزعومة على الإرهاب تقتل مدنيين أبرياء؛ فضلاً عن أنّه يمكن استخدامها ضد الدول التي تُنتجها وتستخدمها، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة في حال نجاح بعض الجماعات الإرهابية في الحصول عليها، وهو أمر غير مستبعد في ظل الفوضى الراهنة في النظام العالمي، يُضاف إلى ذلك حقيقة انتهاء عصر الاحتكار الأمريكي لامتلاك أو لإنتاج هذا النوع من الطائرات؛ حيث إن هناك ما يصل إلى 87 دولةً حول العالم تمتلك أنواعاً مختلفة من الطائرات من دون طيار، مع اختلاف استخدامها من الحروب إلى المراقبة على المستويين الداخلي والخارجي . ورغم انتهاء عصر هيمنة الولاياتالمتحدة على تلك الصناعة إلا أنّ تصنيع الطائرات من دون طيار لا يزال يمثّل أهمية كبيرةً للاقتصاد الأمريكي؛ حيث تُشير التقديرات إلى أنّه من المتوقّع أن تضيف صناعة الطائرات من دون طيار في الولايات المتّحدة 6 .13 مليار دولار للاقتصاد الأمريكي بما يخلق 70 ألف فرصة عمل في السنوات الثلاث المقبلة، وعلى الرغم من أهمية صناعة الطائرات من دون طيار في الولايات المتّحدة فإن هناك حقيقةً تعكس العلاقات العسكرية الوطيدة بين "إسرائيل" والولاياتالمتحدةالأمريكية؛ حيث تشير التقديرات العسكرية العالمية إلى أن "إسرائيل" وليس الولايات المتّحدة هي أكبر مُصدّر للطائرات من دون طيار في العالم، حيث يُشكّل حجم هذه الصادرات نحو 10 % من الصادرات العسكرية "الإسرائيليّة" . ويذكر أنّ الجيش "الإسرائيلي" اعتمد خلال حروبه السابقة وبشكلٍ كبير على قدرات الطائرات من دون طيار الحربية، فقد استخدمها خلال حرب لبنان الثانية عام ،2006 وتم استخدامها أيضا خلال الحرب على غزة أواخر العام ،2012 مما ترتّب على ذلك سقوط العشرات من الأبرياء، وعلى أية حال وبسبب مقتل عدد كبير من الأبرياء دائماً جراء استخدام الطائرات من دون طيار فنجد أنّ هناك تصاعداً من جانب الأصوات الرافضة لاستخدام تلك الطائرات، وهو ما أكده السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام؛ حيث أشار في أكثر من تصريح خلال الشهور القليلة المنصرمة إلى أنّ الهجمات التي شنّتها الطائرات من دون طيار العائدة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" في باكستان وغيرها من الأماكن قتلت 4700 شخص، كما أشارت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية في تقرير نشر في 11 نوفمبر 2013 إلى أنّ استخدام العالم للطائرات من دون طيار بدأ يزداد وحشيةً، مشيرةً إلى أن هذا النوع من الطائرات الذي غزا دول العالم بات مُنحصراً بين الحروب والتجسس . * موقف القانون الدولي: أدّى إفراط الولاياتالمتحدة في استخدام الطائرات من دون طيار في توجيه ضربات عسكرية لعددٍ من دول العالم إلى وقوع المئات من القتلى والجرحى، أغلبيتهم من المدنيين العُزّل، إلى زيادة حدة النفور والرفض الدولي من هذه السلوكيات التي تُعتبر في نظرِ الكثير من خبراء القانون الدولي انتهاكاً صريحاً لقواعد القانون الدولي وانتهاكاً لأهداف ومبادئ مُنظّمة الأمم المتّحدة التي تنص على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وحظر اللجوء لاستخدام القوة في العلاقات الدولية . فبالنسبة لمبدأ احترام سيادة الدول: يُشكّل مبدأ المساواة في السيادة إحدى الركائز الأساسيّة التي يقوم عليها التنظيم الدولي بصفةٍ عامةٍ ومنظمة الأممالمتحدة بصفةٍ خاصة؛ ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأممالمتحدة على أنْ "تقوم الهيئة على مبدأ المُساواة في السيادة بين جميع أعضائها" . وقد أشارت إلى هذا المبدأ ديباجة الميثاق بتأكيدها على الحقوق المُتساوية بين الأمم . وتُعتبر المُساواة في السيادة من أهم مبادئ القانون الدولي، وعند مناقشة عبارة المُساواة في السيادة بين الدول أقر مؤتمر سان فرانسيسكو تفسيراً لهذه العبارة مفاده، أنّ المقصود بالمُساواة في السيادة أن تتمتع الدولُ بالحقوق الكاملة في السيادة التامة، مع احترام شخصية الدول وسلامة أقاليمها واستقلالها السياسي . كما أن مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية يتعارض مع استخدام الطائرات من دون طيار في الحروب الأمريكية المزعومة على الإرهاب؛ حيث ورد هذا المبدأ في ديباجة ميثاق الأممالمتحدة، وكذلك في المادة 2/4 التي تلزم كافة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بالامتناع في علاقاتهم الدولية عن أنْ يُهدّدوا بالقوة أو يستخدمونها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه لا يتفق مع مقاصد الأممالمتحدة . كما نصت المادة 2/6 على أن تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي . وتشمل القوة المسلحة المحظورة بمقتضى المادة 2/4 من الميثاق أعمال العدوان المُسلّح المباشر التي تتخذ شكل الغزو المباشر البري أو البحري، أو الجوي لإقليم الدولة، وتشمل أيضا أعمال العدوان المسلّح غير المباشر التي تتمثّل في قيام الدولة بتقديم الدعم والتشجيع للعصابات المسلّحة التي تقوم بغزو أو مهاجمة إقليم دولة أخرى أو بارتكاب أعمال إرهابية على أراضيها . أما المبدأ الثالث المهم، الذي يتعارض مع استخدام الطائرات من دون طيار فهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء؛ حيث يعتبر هذا المبدأ من المبادئ المُستقرة في القانون الدولي العام، وفي مواثيق كافة المنظمات العالمية والإقليمية على حد سواء . ولذلك نصت المادة 2/7 من الميثاق على أنّه "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة، وليس فيه ما يقتضي أن يعرضوا مثل هذه المسائل، لأن تحكم بحكم هذا الميثاق"، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الوارد في الفصل السابع . هل يمكن تبرير استخدام الطائرات من دون طيار من خلال الدفاع الشرعي الوقائي؟ إن الدفاع الشرعي الوقائي الذي يتمثّل في ادعاء دولة ما بأنّ عدواناً مُسلحاً وشيك الوقوع ضدها من قبل دولة أخرى فتبادر هي بالدفاع عن نفسها ضد هذا العدوان المحتمل، يعتبر غير مشروع وفقاً للأحكام الواردة في المادة 51 من الميثاق والتي يستفاد منها ضرورة كون العدوان المسلّح قد وقع بالفعل وليس عدواناً يخشى وقوعه في المستقبل . وليس بجديد القول بأن الولاياتالمتحدة بجانب حليفتها الأهم "إسرائيل" هما أكثر دول المجتمع الدولي تذرعاً بالدفاع الشرعي الوقائي من أجل تبرير عدوانهما المسلح على دول العالم باستخدام الطائرات من دون طيار . والحقيقة أن المناقشات حول مدى مشروعية حق الدفاع الشرعي الوقائي إنما تدور في واقع الأمر حول طبيعة العلاقة بين المادة 2/4 التي تحظر ليس فقط استخدام القوة في العلاقات الدولية وإنما أيضاً مجرد التهديد باستخدامها، فالمادة 51 التي تعتبر الدفاع الشرعي الوقائي عملاً غير مشروع . وبصفةٍ أكثر تحديداً ما دام أن التهديد باستعمال القوة يُعَد عملاً غير مشروع في العلاقات الدولية . أما عن سبب تحريم المادة 2/4 التهديد باستعمال القوة وعدم سماح المادة 51 باللجوء إلى الدفاع الشرعي الوقائي لمواجهة هذا التهديد، فيُكمن فيما قدره واضعو الميثاق من أن إباحة الدفاع الشرعي الوقائي ستؤدّي حتماً إلى إحداث عدم استقرار في العلاقات الدولية؛ حيث ستجد فيه الدول القوية عسكرياً ذات الأطماع الاستعمارية أساساً قانونياً يُتيح لها التخلص من الدول الضعيفة التي تتبع سياسات مخالفة لها . وإجمالاً فإن موقف القانون الدولي من استخدام الطائرات من دون طيار في الحرب المزعومة على الإرهاب واضحٌ وصريحٌ؛ حيث يمثّل استخدام تلك الطائرات على النحو العسكري انتهاكاً صريحاً لقواعد القانون الدولي، وانتهاكاً لمبادئ منظمة الأممالمتحدة، التي تنص على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وحظر اللجوء لاستخدام القوة العسكرية لفض النزاعات بين الدول، وذلك على نحو ما أسلفنا، ومن ثم فلم يكن غريباً استمرار دعوة لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان خلال السنوات القليلة الماضية وحتى الآن وفي أكثر من مناسبة الإدارة الأمريكية إلى الحد من استخدامها للطائرات من دون طيار خاصةً في باكستان، قائلة: إن تلك الضربات الجوية لم تسمح بها باكستان، ومن ثم فإنها تعد انتهاكاً للقانون الدولي وأيضا انتهاكاً لسيادة باكستان ووحدة أراضيه . * مدير مركز الدراسات الاستراتيجيّة والاقتصاديّة بجامعة بني سويف المصدر: الخليج 22/5/2014