التوربينة العاشرة دخلت بمنتجها الشبكة القومية، وبذا يكون سد مروي قد اكتمل دوره في تغذية الشبكة القومية للكهرباء.. ليعم النور أرجاء السودان ولتضيء القرى والمدن والفرقان.. ولتتحرك المحركات الصناعية والطلمبات الزراعية.. ولنعمل المبردات والثلاجات والحافظات.. وسوف تضيء الطرق والشوارع.. وسيتمكن طلابنا من استذكار دروسهم وتحقيق التفوق وإعادة سمعة التعليم في الشمالية سيرتها الأولى أيام مدرسة القولد الوسطى ودنقلا الثانوية ومروي وكورتي والدبة، وسوف يكون بمقدرة أهل القرى أن يخرجوا من بيوتهم بعد غروب الشمس ليتجمعوا في أندية المشاهدة ويشاهدوا برامج القنوات الفضائية بصورة جماعية وفردية إذا أرادوا ذلك.. وهو ما لم يكن ممكنا قبل كهرباء السد.. الطاقة النظيفة.. وليدخل البوتاجاز.. والغسالة.. والمكيفات والمراوح البيوت والمكاتب وتطرد الهبابة وغيرها إلى الأبد. نقدم التهاني لشباب السد الذين نفذوا هذا المشروع المعجزة وكنت معهم عندما كان خطوطاً على الورق ووقفنا على الأرض لنشاهد كيف سيكون هذا المشروع عندما يكتمل.. وسجلنا للموقع زيارات قطعنا فيها عرض السد بالمراكب الصغيرة أولاً.. ثم بالعربات حتى منتصفه ووقفنا على أرض جزيرة مروي حجارة على فتحة المياه وتم حجز المياه وفتح الخزان.. ثم زرناه عندما عملت بعض التوربينات وأحدثت أثرها على الشبكة القومية.. ونظرت إلى جبل كلوفيلي (والكلمة تعني الجبل الأحمر) وترجمنا الأمر الإمبراطوري الصادر من ملوك الزمان والتي تقول(مروي) وتعني اقطعوا هنا.. أو (ميروى) وتعني احجزوا هنا والكلمتان تعنيان السد تحديداً.. إذن فالأمر الصادر منذ آلاف السنين والاسم يدل على ذلك والترجمة تؤكد ذلك واليوم يكتمل العرس ويصبح الحلم حقيقة بفضل عزيمة الشباب والإرادة السياسية والقرار الشجاع والفكر الاقتصادي الذي لم يركع لشروط البنك الدولي الذي لم ولن يصدق أن هذا الأمر قد أنجز دون اللجوء إليه ولكن إرادة الله غالبة وهو المعين والمستعان..واليوم تمتد شرايين التيار إلى كل أنحاء الوطن شرقه الذي كان يعاني النقص المريع في الطاقة والغرب الذي لم تر عيناه الكهرباء المستقرة والطاقة النظيفة والجنوب الذي عانى وظل على معاناته من كل ناحية والشمال أكبر المناطق المتأثرة بمشكلات السودان حتى كاد يكون فارغاً من سكانه الذين هاجروا إلى أصقاع الدنيا.. فهنيئاً لأهل السودان الذين تحققت لهم هذه الإنجازات بصدق النوايا وعزائم الرجال وقوة الإرادة السياسية وبفضل من الله سبحانه وتعالى وتعاون صادق من الأصدقاء في الصناديق العربية والصين والدول الصديقة والشقيقة التي أمنت بطرحنا ولمست إلى أي مدى ظلمنا ويظلمنا الطغيان الاستعماري الإمبريالي الصهيوني. واليوم أيضاً اكتمل عقد أطول طريق قاري يربط السودان كله من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. اكتمل عقد طريق شريان الشمال الذي بدأ مسيره بطريقة متواضعة وبفضل جهود وتضحيات نفر من أهل الشمالية آمنوا بأهمية هذا الطريق الإستراتيجية وبذلوا الأموال والأنفس في سبيل وضع اللمسات الأولى واللبنات الأساسية من أمثال المرحوم احمد مختار جبره، وعبد الرحمن الشيخ الذي فاضت روحه وهو على هذا الطريق وحسن صبري من أوائل الذين فتحوا طريق اللواري من دنقلا إلى أم درمان عبر الصحراء وعانى كما عانى آلا لاف من المسافرين وسائقي اللواري والباصات.. تحقق الحلم وصار ممكنا السفر عبر طريق معبد من أم درمان مروراً بأبي ضلوع الذي كان يرهب السائقين والمسافرين والباجا وجرا حيث الصحراء والرمال.. وصار ممكنا السفر عبر طريق التحدي وعبر كبري الفكر مروراً بكريمة ومروي إلى السليم وحلفا مباشرة ..بطريقة المحيلة كل هذه الإنجازات علاوة على كبري كريمة مروي.. دنقلا السليم.. الدبة أرقي.. لتكون هنا نقلة عظمى على سبيل التواصل الاجتماعي والاقتصادي فبشرى لأهل الولايات الشمالية وهم يعيشون ويرون كل هذه الإنجازات العظيمة التي أنصفتهم بعد طول غياب وطول انتظار.. وصبر جميل اليوم سيكون متاحاً لنا وكل الأجيال التي هاجرت سراً للبحث عن التعليم والعمل أن يعود إلى الجذور وأن يحيي الموات وأن يحيل الشمالية إلى واحة حضارية فقط إذا تحقق الجزء الثاني من المشروع الحضاري وقامت الصناعات الصغيرة والكبيرة التصنيع الزراعي.. تعليب الفاكهة وتصنيع التمور التي تعد الثروة القومية والتاريخية لأهلنا، زراعة القمح والفول والبقوليات .. تنويع الموسم الزراعي وإدخال الحيوان وتصنيع منتجاته.. وهذه أحلام هي الأقرب إلى الواقع وهي الأكثر إمكانية للتحقق.. فالتحية لكل من يحلم حلم العودة إلى الجذور. المصدر: الشرق القطرية 8/4/2010