قدمت الحركة الشعبية في اطار تبريرها المختل لقرار سحب مرشحيها من دوائر الشمال السوداني مع احتفاظها بمرشحي الجنوب عرضاً مثالياً لما يسميه علماء المنطق بالمنطق المعوج، وكان واضحاً أن الحركة التي دخلت في (مأزق تاريخي) ما بين مطرقة حلفائها وسندان هشاشة موقفها الانتخابي تبحث بحثاً مضنياً عديم الجدوى عن ما تستر به سوءتها السياسية. المنطق المعوج الذي أوده أمينها العام السيد باقان أموم تمثل في قوله أن القرار الانسحاب جاء نتيجة لوجود ما اسماه بالحرف (تزويراً كبيراً) في إجراءات العملية الانتخابية وخروقات لا يمكن قبولها – بحسب تعبيره – ولم يفصح اموم – مع أن الموقف يقتضي الإفصاح والإبانة – عن طبيعة هذا التزوير والخروقات في وقت لم تبدأ فيه العملية الانتخابية نفسها، فالتفاصيل المدعمة بالأدلة في مثل هذه الحالات مهمة للغاية اذ ان للحركة حلفائها في (تحالف جوبا) ويقضي هذا التحالف وتقتضي أمانة الزمالة أن يكشف اموم على الأقل لحلفائه عن هذه الخروقات لأنها (أن وجدت) فهي قطعاً لن تمس الحركة وحدها وإنما تمس وتهم كل القوى السياسية وكافة المرشحين وهذا الموقف يكشف بجلاء عن أحد أمرين: اما أن حديث التزوير والخروقات مجرد تهويش وحديث مرسل الغرض منه (اخفاء حقيقة ما يكمن وراء قرار الانسحاب). أو أن الحركة تخفي عن حلفائها وناخبيها حقائق من المهم أن يعرفونها وتكون بذلك قد خانتهم خيانة عظمى . وفي الحالتين فان الأمر غير مستساغ وزاد طين موقفها بلا. ويزداد منطق الحركة المعوج اعوجاجاً حين يقول اموم بوجود خروقات ويحصرها فقط في الشمال!! فالذي يقبل بالانتخابات في الجنوب ولا يقبل بها في الشمال إنما يستهذأ بعقول سامعيه، أذ أن مفوضية الانتخابات واحدة على المستوي القومي ولا يمكن أن تجرى خروقات في الشمال كله ولا تجري في الجنوب حيث يصعب أن نتصور أن الأمر كان (وليد المصادفة) وحدها ان الجنوب بلا تزوير ولا خروقات بينما الشمال ملئ بها!! لقد كان اموم يداري ويخفي أن حركته تخوض انتخابات الجنوب لأنها أن لم تفعل فسوف تذهب إلى مصيرها المحتوم، وزهدت في الشمال لأن حظوظها فيه ذهبت بالفعل إلى مصيرها المحتوم، ويزداد الأمر سؤاً على سوئه، أن عرمان الذي تم سحب ترشيحه فوجئ بالقرار وتضاربت التصريحات ما بين قائل أنه هو الذي طلب ذلك وما بين قائل أن القرار اتخذه المكتب السياسي. ولم يستطيع أموم أن يبين – لو بذات المنطق المعوج – لماذا كان إصرار زعيم الحركة على بقاء مرشحي الحركة في الشمال في المستويات الأخرى ولكن المرشحين – وقد فهموا الأمر الذي لا يحتاج إلى فهم – رفضوا رفضاً باتاً واضطر المكتب السياسي لقبول رفضهم لأنه ببساطة لا يملك إرغامهم ارغاماً على خوض انتخابات قضت عليها قيادتهم مسبقاً بالفشل المحتوم! أن المأساة هنا ليست فقط في هذا المنطق المعوج ولكنها في تبرير المنطق المعوج بمنطق أسوأ منه!!.